أحمد الرومى
الحكومة «المانيوال» فى زمن «الأوتوماتيك»
لم تعد طريقة قيادة الحكومة لأمورها بنظام «المانيوال» مجدية، لابد من الانتقال إلى القيادة «الأوتوماتيك»، للخلاص من المعوقات التى تصيب إدارتها بالمشاكل، وتتسبب فى إزعاج المواطنين. ما أعرفه أن الحكومة لديها خطة اقتصادية تقول إنها «سوف تنهض بالبلد»، أحد أركان هذه الخطة هو رفع الدعم تدريجيًا وإعادة توجيهه. تطبيق هذا الأمر يتطلب ـ دون نقاش ـ رؤية واضحة من الحكومة لكيفية ضبط الأسواق بعد كل عملية تحريك للأسعار، هذه الرؤية غائبة، يظهر ذلك فى حالة الفوضى التى تصيب الأسعار والأسواق عقب صدور أى قرار بتحرير الدعم. الفكر الحكومى «المانيوال» يتجسد هنا فى اعتمادها على آلية الرقابة اليدوية، بأن يتنشر المفتشون والموظفون فى الأسواق لضبط المخالفين. وهى واقعيًا عملية صعب تحقيقها، فكم موظف يا ترى تحتاجهم الحكومة للانتشار فى وطن بحجم مصر لفرض الرقابة على أسواقه؟ طبعا الإجابة «تحتاج الحكومة الافًا مؤلفة من الموظفين» لن تستطيع الدولة توفيرهم للكلفة المادية العالية. فإعلان الحكومة عن «أسعار استرشادية للسلع والخدمات» لا يحل المشكلة. فما الذى يفعله المواطن عندما يركب عربة «ميكروباص» فيكتشف أن السائق رفع سعر الأجرة واحد جنيه بدلا من 25 قرشا؟ (الأخير ثمن زيادة التعريفة بتقدير الحكومة) هل يغادر المواطن السيارة محتجا، ليعود إلى بيته سيرا على الأقدام؟ أم أنه يمسك بخناق السائق بعد مشادة متوقع حدوثها اعتراضا على الأجرة؟ أم يتجه إلى قسم الشرطة لتحرير محضر (لا يعرف مصيره) لسائق واحد مخالف من بين آلاف السائقين الذين قد يتجاشعون ويغالون فى رفع أسعار تعريفة المواصلات؟ هذه الحالة تدخل المواطن فى دوامة لا يخرج منها سالما، والحكومة لا تحرك ساكنا، بل تغسل يدها من المسئولية بالإعلان عن الأسعار الاسترشادية دون وجود آلية رقابية فاعلة تضمن ردع المتجاشعين. يحدث هذا فى زمن تتجلى فيه آليات عصرية، تستخدمها بعض الدول فى المنطقة لضبط أسواقها. فعلى سبيل المثل لجأت وزارة التجارة والصناعة السعودية إلى آلية رشيقة وفاعلة لضبط الأسواق. استطاعت بها أن تتغلب على عقبة وجوب توافر أعداد كبيراً من المراقبين والمفتشين لتحقيق الرقابة، إذ قررت الحكومة أن تشرك المواطنين فى عملية ضبط السوق. تتمثل الآلية فى تصميم الحكومة السعودية «تطبيق» يمكن لأى مواطن أن يثبته على هاتفه المحمول، وظيفة الـ «APP» هو إتاحة وسيلة سهلة للمواطنين للإبلاغ عن المخالفات، التى قد يصادفها أثناء تعاملاته السوقية (غش تجارى – مخالفة أسعار.. وهكذا). فجميع المخالفات المتوقع وجودها فى الأسواق مسجلة على التطبيق، فقط كل المطلوب من المواطن أن يفتح التطبيق على الموبايل ويختار التجاوز الذى حدث معه، ثم يضغط «كليك»، ليصل البلاغ فورًا إلى الوزارة لتتعامل معه. التطبيق الذكى صممته الحكومة السعودية ليبقى مربوطا بـ«GBS» كى يتمكن المستخدم من تحديد مكان المحل المخالف تلقائيا وبشكل مباشر، وبالتالى يصبح لدى الوزارة قاعدة بيانات بأماكن وأسماء المحال المخالفة، وعدد البلاغات ضد كل محل. ما يجعل الحكومة قادرة على تجميع معلومات كافية عن المخالفات السوقية دون أن تحرك موظفًا واحدًا من مكتبها بطريقة عشوائية. هكذا تدير الحكومات أمورها بنظام «الأوتوماتيك»، فهل نستطيع فعل ذلك؟ دعنى أصدمك قارئى العزيز بأن أخبرك أن الحكومة المصرية لديها ـ فعليا ـ تطبيق مشابة اسمه «إيجابى» يقوم بنفس هذه المهام تقريبا، ومتوفر على سوق «بلاى ستور»، هذا التطبيق الذى صممته الحكومة ـ من باب النزاهة ـ لم تسع لتفعيله أو إخبار المواطنين به، أو دفعهم لاستخدامه، والسبب ـ فى تقديرى ـ أن الحكومة مازالت تفكر بعقلية «المانيوال». الحكومة لابد أن توسع من آفاقها فى التعامل مع المشكلات التى تقابلها، وتسعى إلى استخدام التكنولوجيا فى تعاملاتها والابتعاد عن الفكر «اليدوى». لقد ذكرت لكم نموذجًا واحدًا فقط للتعامل مع ضبط الأسواق ـ مطبّق فى السعودية ـ متحاشيا طرح تجارب أخرى من دول شقيقة ـ كالإمارات مثلا ـ حتى لا تصابوا بالإحباط.