فيتو
احمد ابو خليل
أنقذوهم.. يرحمكم الله
"والدتك تحتاج إلى أربعة أكياس من الدم ليس لدينا منها سوي اثنين، حاول أن توفر الآخرين قبل أن تمضي ست ساعات".. ذلك ما أخبرني به الطبيب المعالج لوالدتي بأحد المستشفيات.. لم تمر أكثر من عشر دقائق بعد تلك الكلمات حتى كنت داخل إحدى سيارات الأجرة لأبدأ رحلة البحث عن كيسين من الدم فصيلة "o سالب"، والتي حبا الله أصحابها بنعمة العطاء، فهم يعطون كل الناس لكنهم لا يأخذون إلا من فصيلتهم.. ظللت طوال تلك الرحلة السخيفة، أتخيل ماذا لو لم أحصل على ما أبحث عنه كيف سأتصرف؟
خاصة وأنه قد مضي ثلاث ساعات من المهلة التي أعطاها لي الطبيب دون جدوى.

فجأة تذكرت أن لدى رقم الهاتف الخاص بالدكتورة (سمية عبد المنعم) والتي تشغل منصب مدير عام بنوك الدم بوزارة الصحة فلم أتردد لحظة في طلبها وبعد تعريفها بنفسي شرحت لها ما أعانيه فوعدتني بأنه سيتم البحث ومعاودة الاتصال بي خلال خمس دقائق.. ولم تنس قبل أن تنهي المكالمة معي أن ذلك سيتم لأن والدتي تحتاج للدم وليس لأنني فلان الفلاني.. مرت خمس دقائق وازدادت عليها خمس أخرى قبل أن يرن هاتفي.

"أستاذ أحمد من فضلك توجه الآن إلى مركز الهلال الأحمر وستجد هناك ما طلبته لكن عليك أن توفر أربعة متبرعين" كان هذا هو نص الرسالة التي وصلتنى من الدكتورة سمية، ذهبت إلى هناك وبصحبتي ثلاثة أصدقاء تبرعنا جميعنا وحصلت على ما اريد.

الحمد لله أصبحت أمي بخير وقررت أن أتصل بالدكتورة "سمية" لكي أشكرها اتصلت بها وشكرتها، وطلبت منها التحدث في لقاء تليفزيوني عن دور بنك الدم وأهميته، فما كان منها إلا أن قالت الأفضل هو التحدث عن نشر ثقافة التبرع.

الحقيقة أن تلك الكلمات الجادة الحاسمة جعلتني مفعم بالأمل لأن هناك مسئولين يعلمون جيدا مدي المسئولية الملقاة على عاتقهم.. ذلك جعلني أيضا أحث أشخاصا كثر على التبرع بالدم من أجل إنقاذ حياة أشخاص ليس بالضرورة أن نعرفهم، استجاب بعض ممن أعرف والبعض الآخر أخبرني بأنهم لا يمانعون في التبرع خاصة أنهم يعلمون أن التبرع بالدم يقي من أمراض عدة أهمها أمراض القلب وأن الإنسان السليم يجب عليه التبرع كل ثلاثة أو أربعة أشهر.

المشكلة أن بعض المواطنين يتشككون في الأدوات المستخدمة خاصة في ظل تداول أخبار بين الحين والآخر عن نقل دم ملوث لبعض المرضي، مما يعني أنه لا يتم التحليل جيدا سواء للمتبرع أو المريض أو أن الأدوات المستخدمة غير آمنة حتى أنه قيل إن مريضا بالإيدز تبرع مرات عدة.. فضلا عن بيع بعض المستشفيات للدم والذي قد يصل سعر الكيس الواحد بها إلى ١٥٠٠ جنيه.

ولم أستطع إقناع أحد من هؤلاء بأن ذلك الأمر يحدث بنسب ضئيلة جدا بالمقارنة بما يتم نقله بالصورة الصحيحة.

فحياة مواطن واحد لا يجب أن تكون عرضة لأي نوع من أنواع الإهمال، لذا يجب علينا جميعا من الآن أن نسير في طريقين متوازيين.

الأول: هو نشر ثقافة التبرع بين المواطنين بطريقة حضارية أفضل من تلك التي يستخدمها القائمون على ذلك العمل من خلال مكبرات الصوت أمام محطات المترو وفي الميادين العامة والتي تذكرني بالباعة الجائلين.

الثاني: طمأنة المواطن بأن ما يعطيه أو يعطي له من دماء هو خاضع لرقابة وتحاليل صارمة لا تقبل ثمة خطأ.. فبدون هذين الطريقين لن تحل المشكلة وسنظل ندور في حلقة مفرغة.

باقي أن تعلم أن بنوك الدم في مصر لا تغطي سوى ثلث احتياجاتنا من الدم.. حيث إن هناك نقصًا حقيقيًا بالمخزون الإستراتيجي، لذا أناشدكم جميعا باسم الإنسانية أن نتكاتف حكومة وشعبا من أجل إنقاذ حياة آلاف المرضي.

انشروا الوعي بين أطفالنا في المدارس وشبابنا في الجامعات لعلنا نجد ما افتقدناه من حب فيما بيننا بعد أن تختلط دماؤنا ببعضها البعض. لعلها تصلح ما أفسدته أيدينا.. الآن وبعد أن سردت لك ما حدث وما أتمناه أن يحدث أتركك لتتخيل أنت مصير عزيز لديك احتاج لقطرات من الدماء ولم يجدها؟
أنقذوهم يرحمكم الله...
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف