الجمهورية
حمدى حنضل
همس النيل .. وعي الشعب.. والحكومة أيضاً
.. من السهل علي الحاكم - أي حاكم - أن يكسب ود جماهير شعبه.. يدبجون في حبه الأغاني.. ويملأون الساحات والميادين هتافاً باسمه يعيش معهم خيالاتهم.. يحيطهم بالأوهام.. يلهب حماسهم بالجمل القصيرة الرنانة ويمطرهم بألفاظ الإطراء والمديح.. فقط عليه أن يغدق عليهم بالعلاوات والمكافآت والمعايدات.. ويرجيء إلي أجل - غير مسمي - كل الجراحات الدقيقة.. وكل الإجراءات والعمليات الصعبة ولا يهم كيف سيكون حال الناس عندما تنتهي ولايته.. وإلي أي مدي سوف تتوحش المشكلات لتستعصي علي الحل - أي حل.
لكن من الصعب جداً علي الحاكم - أي حاكم - أن يكشف لجماهير شعبه مدي المخاطر التي تحيط بالأمة.. ومدي الانهيار الذي وصلت إليه مرافق الدولة وخدماتها وإنتاجها واقتصادها.. فإن عليه في هذه الحالة أن يستجمع كل شجاعته.. وأن يستلهم فقط إرضاء الله.. وضميره.. ثم عليه أن يستعد لحرب النفاق المؤسسي.. والحزبي والإعلامي وما يستهدفه رموز الشر من دغدغة مشاعر الجماهير.. وتحريض المواطنين ضد الحاكم ومحاولة دفعهم إلي كراهيته.. وربما مواجهته.
إن اختيار أي حاكم طريق المواجهة الجادة للمشكلات إنما تتطلب منه جهوداً جبارة ومواصلة العمل ليلاً ونهاراً والحرب في أكثر من جبهة وجهة في وقت واحد.. ويتحتم عليه بذل الجهد الكبير نحو لملمة المواطنين وحشد الجماهير معه وتعبئتهم والرد علي دعاوي أهل الشر والفتنة.. ومحاولة إقناع الناس - كل الناس - بالخطر المحدق بهم.. وأقصر السبل لمواجهته.. وهي أمور صعبة معقدة.. لا يكفي لها شخص واحد أو فريق واحد.. وإنما الدولة بأسرها.
.. من هنا.. وبالتطبيق علي الحالة المصرية - فإنه لا أحد يستطيع أن ينكر حجم ما تعرضت له الدولة المصرية من تجريف واستنزاف في السنوات القليلة الماضية.. سبقتها عقود تفنن فيها الحكام في "مداهنة" المواطنين وعدم مواجهتهم بحقائق الواقع.. فعاش الناس في أدمغة كساها التخدير.. وأعين أعمتها كلمات النفاق.. وأهازيج الشعراء حتي أفاق المواطنون علي "حقائق مرة" وأوضاع "صعبة" ولم يعد أمام المصريين - حاكمين ومحكومين - إلا أن يواجهوا هذه الحقائق وتلك الأوضاع بما تستوجبه من "جراحات" ضرورية.. وإجراءات "قاسية" لا مفر من مواجهتها.
.. ويبقي أن تعي الحكومة حجم ما أحاط الناس ومدي معاناتهم.. فترشد استهلاكها ومصروفاتها وتتخذ المزيد من الإجراءات الحمائية للترفق بمحدودي ومعدومي الدخل.. والضرب بيد من حديد علي أيدي الفاسدين والمستغلين والتجار.. وأن تسعي لمضاعفة الإيرادات.. فإن يداً واحدة لا تصفق.. وأن وعي الشعب لابد أن يواكبه ايضا وعي من الحكومة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف