المولى تبارك وتعالى وصف رسوله الكريم بأنه على خلق عظيم، وسيدنا محمد قال عن نفسه إنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق ، ومن أروع إبداعات أمير الشعراء أحمد شوقى «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم، فأقم عليهم مأتماً وعويلاً، صلاح أمرك للأخلاق مرجعه، فقوّم النفس بالأخلاق تستقم»، ويقول أمير الشعراء أيضاً «بالعلم والأخلاق يبنى الناس ملكهم لم يبن ملك على جهل وإقلال».
المفكر الدكتور أحمد عكاشة، وبصفته عضواً فى المجلس الاستشارى لرئيس الجمهورية، أعد ورقة قيمة حول «الأخلاق العلمية» يقول فيها إنه لا نهضة بدون القيم والأخلاق، ولا توجد دولة تقدمت بالقوة الاقتصادية أو العسكرية أو الموارد الطبيعية فقط ولكن بالأخلاق العلمية، لأنها تبنى الإنسان الذى يبنى كل شىء، ويضيف د. عكاشة أن اليابان دولة بلا موارد ومعظم سكانها بدون ديانة ولكنها بالأخلاق العلمية أصبحت أكبر قوة اقتصادية، والتعليم عندهم فى سنواته الأولى ليس فيه امتحانات، حتى تعليم الأطفال القيم والانتماء والفضيلة والتسامح وحب الغير وقدسية العمل والتعاون والرحمة، أما فى فنلندا فالطفل ينهى واجباته داخل المدرسة وممنوع عليه اصطحاب كتبه إلى المنزل حتى يعيش طفولته، ويؤكد د. عكاشة أن بناء الأخلاق يجب أن يكون من الصف الأول الابتدائى، حيث تُغرس فى النشء خصال عديدة، مثل المصداقية والانضباط والإتقان وتحمل المسئولية وثقافة العمل والتعاون وروح الفريق، فالأخلاق العلمية أسلوب حياة وإشباع للرضا النفسى والثقة فى الذات، والعلم يواكبه الفضيلة والصدق والمواطنة والانتماء، تلك هى رؤية د. أحمد عكاشة، وخلاصتها أنه لا تقدم بدون العلم والأخلاق معاً، أما د. صبرى الشبراوى، أستاذ الإدارة المعروف والحاصل مؤخراً على جائزة النيل، فيقول إن أساس التقدم أربعة، العلم والعمل والأخلاق والقيم، وإن الاستثمار فى العلم أهم وأفضل استثمار لأنه يبنى البشر الذى يبنى الحجر.
فى مقالنا السابق تحدثنا عن التعليم باعتباره أساس تقدم الدول ورفاهية الشعوب ولا نهضة بدونه، كما أن تنمية بلا قيم وأخلاق مصيرها الفشل مثل الدول التى تعتمد على تجارة المخدرات والأفيون، هناك دول كثيرة أفقر منا اقتصادياً ولكنها تغلبت على مشاكلها بالعلم والأخلاق، ونحن كنا زمان هكذا، فالتعليم عندنا كان هدفه بناء الإنسان وتربيته أخلاقياً، فحققنا نهضة أضاءت لنا الدنيا وأفادت الدول العربية والإسلامية، وأسلحة مصر الناعمة كانت نتيجة تعليم جيد من الابتدائية حتى الدكتوراه، ولهذا كنت وما زلت أتمنى أن يكون التعليم هو المشروع القومى للرئيس السيسى ويكفيه أن يضع أقدامنا على أول الطريق قد لا يجنى ثماره ولكن سيحسب فى تاريخه، تطوير التعليم ليس هو إلغاء سنة سادسة ابتدائى أو امتحانات الثانوية العامة ولكنه بناء الإنسان، وهذا ما ننتظره من د. طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، وهناك رؤية متكاملة لتطوير التعليم موجودة فى مجلس الوزراء، وضعها خبراء من كل الجامعات والمراكز البحثية المصرية، واستعانوا فيها بخبراء أجانب وتجارب لأهم وأفضل 6 دول فى التعليم (فنلندا، سنغافورة، ألمانيا، بريطانيا، أمريكا، اليابان)، ثم قامت الحكومة بإرسال هذه الرؤية إلى اليونيسكو فوافقت عليها واعتمدها مجلس الوزراء، وكان المفروض أن يبدأ تطبيقها اعتباراً من العام الدراسى المقبل، هذا المجهود الكبير استمر لمدة عام ونصف قضاها د. الهلالى الشربينى فى الوزارة، وأنفقت عليها الدولة ملايين الجنيهات وسفريات وبعثات واجتماعات شارك فيها د. شوقى نفسه بحكم منصبه السابق كمستشار علمى لرئيس الجمهورية، فأتمنى أن يستفيد منها ولا يبدأ من نقطة الصفر.