التحرير
عمرو حسنى
إللى ما يفهمش فى الطب
سيدات المجتمع الراقى الأنيقات يجلسن فى هذا الحر اللعين فى القاعات المكيفة بالنوادى، إلى موائدهن العامرة بالعصائر الباردة والمثلجات، ويثرثرن حول فاتورة الإصلاح الاقتصادى التى يجب أن يتحملها الشعب المدلل الجاحد صابرا صاغرا، لأنها تمثل ثمنا مؤجلا كان يجب علينا تسديده من عقود طويلة وتقاعست أنظمة كثيرة عن المطالبة به تجنبا لإثارة غضب المواطنين. الحديث يدور كذلك عن أمثالنا من المعارضين الجهلاء المغيبين، غير القادرين على ضبط موازنة بيوتهم التى ينفقون إيراداتها قبل منتصف الشهر، فما بالك بتدبير الموارد لإدارة الموازنة العامة لدولة كبيرة كمصر؟ وكيف أننا لا ندرك حقيقة الإصلاح الاقتصادى الذى لن يتحقق فى حياتنا، ولكن ستتنفس نسائمه الأجيال القادمة من أولادنا وأحفادنا. أى أنهن لا يكتفين فقط بوصمنا بعدم المعرفة، وهى الكلمة المهذبة للجهل، بل أيضا بالأنانية التى تعمى عيوننا. لهن نقدم بعض النقاط المهمة التى قد تغنينا عن سرد نكتة الفلاح الذى يتحرش الطبيب بزوجته الجميلة خلال الكشف عليها، فيحدث نفسه قائلا: اللى ما يفهمش فى الطب يفتكر الدكتور بيعمل معاها قلة أدب! مشِّيها قلة أدب، فلا يوجد داع لاستخدام الألفاظ القبيحة واقرأ معى النقاط التالية: لا يمكن الاكتفاء بتوفير مليارات الدعم، ومقدارها حتى هذه اللحظة مئة وخمسة مليارات سنويا، دون أن يعلن النظام الحاكم للشعب بشفافية، بالتواريخ والأرقام عن تفاصيل خطته، التى أعلن بنفسه مرارا عن عدم وجودها، فى استخدام تلك المليارات لعمل إصلاحات اقتصادية ستؤدى لتنمية موارد الدولة. خاصة أن نفس النظام سبق له جمع أربعة وستين مليارا تم إنفاقها فى مشروع دعائى لتطوير قناة السويس التى انخفضت إيراداتها بعد إعلانه قبلها بمنتهى الثقة عن توقع تحقيق مئة وخمسين مليارا من إيرادات ذلك التطوير خلال السنوات الأولى للمشروع. كيف يثق المواطن الذى يدفع فاتورة الإصلاح المزعومة، بنظام ينفق من أموال الدعم، التى يتم توفيرها اقتطاعا من لحمه الحى، على إعلانات باهظة التكاليف تتحدث عن إنجازات يجملها أحد تلك الإعلانات بمنتهى الاستخفاف فى إقامة ستة آلاف وستمئة مشروع قومى! هكذا مرة واحدة؟ بما يوحى للمشاهد بأن تلك المشروعات القومية التى لا يراها أصبحت ملقاة على الأرصفة! رصف وإنشاء شبكات الطرق الجديدة هو الإنجاز الوحيد الذى تتفانى فى تنفيذه الحكومات المتعاقبة منذ أيام حكم أنور السادات، والتي يتم التشدق دائما بأنها ستوفر الفرصة للمستثمرين لسهولة نقل البضائع من وإلى الموانئ، دون أن نرى تلك البضائع، ودون أن نشاهد استثمارا حقيقيا لمشروعات إنتاجية عملاقة جديدة على أرض الواقع تحتاج إلى إنفاق تلك المليارات لتطوير شبكات الطرق. أحد مشروعات تلك الطرق التى تكلفت المليارات، تمثل فى طريق الزعفرانة الجديد المزدوج الذى يربطها بطريق الغردقة المزدوج أيضا، وهما طريقان جديدان لن يسهما فى ازدهار حركة النقل السياحى، حال عودة السياحة الشاطئية مرة أخرى، بإذن الله، لسبب بسيط يتمثل فى اعتماد النشاط السياحى فى تلك المناطق تماما على رحلات الطيران الشارتر التى لا تتأثر إطلاقا بتطوير الطرق البرية من وإلى تلك المناطق.

لسنا جهلاء يا سيداتنا العزيزات الراقيات، وهذه عينة بسيطة من الحديث الذى يمكن أن يدور حول استخدام قيمة مليارات فاتورة الإصلاح التى يسددها المواطن العدمان، والتى لن ينتج عنها أى إصلاح حقيقى إلا عندما يتبنى النظام -بحق- تنفيذ خطة معلنة للتنمية يتم تنفيذها بشفافية، وتعتمد على إنشاء مشروعات غير دعائية، يمكنها أن تسهم فى رفع إجمالى الناتج العام على المدى المنظور، لكى يشعر المواطن بجدية الخطوات التى يتخذها النظام لرفع المعاناة عن كاهله. كل الأنظمة التى صنعت طفرة اقتصادية لبلادها أنجزت ما وعدت به على مراحل متوسطة الأجل، أتاحت للمواطن فرصة لرؤية إنجازاتها وحصد القليل من ثمرة تضحياته بطريقة تراكمية تبل ريقه وتبرر لتلك الأنظمة تحصيل فاتورة الإصلاح من لحمه الحى، وعندها لا يصبح الأمر مجرد جباية. المال مال المواطن، والثروة فوق الأرض وتحتها ليست ملكا لنظام أو لحكومة لتعايره بما تمن عليه به منها، أو لتحاسبه على تسديد ثمنها بسعر السوق. كما يحدث فى أسعار منتجات البترول، الذى يتم استخراجه من مناجمنا، ويتم بيعه للمواطن بالأسعار العالمية أسوة بما يتم استيراده! العهدة هنا على حديث الخبير البترولى الدكتور إبراهيم زهران الذى أكد أن متوسط سعر لتر البنزين 92 لا يجب أن يتجاوز 180 قرشا قياسا لما تنتجه مصر من بترول لا يتم استيراده، ولا يجب محاسبة المواطن عليه بالأسعار العالمية، لأن الحكومة لم تستورده، ولم تدفع ثمنه بالدولار. سأكتفى بهذا القدر يا عزيزاتى لضيق المساحة، ولتعلمن أن سوء إدارة موارد الدولة يعتبر تحرشا من النظام بالمواطن، يشبه تماما تحرش الطبيب بزوجة الفلاح الجميلة. المشكلة الوحيدة أن بعضنا لا يدرك حقيقة ذلك التحرش، إما لأنه يثق بالطبيب بصورة عمياء، أو لأنه لا يفهم فى الطب.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف