عباس الطرابيلى
البرلمان يوافق ولكن الشعب يرفض!
فوجئ الشعب بالبرلمان يوافق - فى جلسته أمس الأول - على الموازنة العامة للدولة.. ولا يدرى هذا البرلمان أن الشعب نفسه - وهو صاحب الكلمة الأولى - يرفض هذه الموازنة العامة!! وإذا كانت للبرلمان أسبابه للموافقة، فإن الشعب يملك حق الاعتراض.. والأسباب عديدة.
مثلاً، يرى البعض أن هذه الموافقة غير دستورية.. ليه يا جماعة.. لسبب أساسى هو أن هذه الموافقة جاءت بعد أن بدأ العمل بهذه الموازنة.. التى يبدأ العمل بها من أول يوم فى يوليو.. بينما الموافقة جاءت يوم 4 يوليو.. فهل هى موافقة الأمر الواقع.. بدليل بدء العمل بها حتى قبل أن يوافق البرلمان؟!
إذ تنص كل الدساتير، قديمها وحديثها، على وجوب أن تقدم الحكومة «مشروع» الموازنة للبرلمان، قبل بدء العمل بها بشهرين.. حتى يتسنى للبرلمان مناقشتها وفحصها، لأن الرقابة المالية على أعمال الحكومة تأتى فى مقدمة مهام البرلمان.. أى برلمان.. أم يا ترى للبرلمان «جماعة وأعضاء» مصالح أخرى فى كل ما يجرى؟
والناس يتساءلون - وأنا معهم - أليس فى هذه الموازنة - وتظل مشروعاً إلى أن يوافق البرلمان عليها ويعتمدها - بند واحد يستحق المعارضة.. بل ويدعو إلى التعديل وربما الإلغاء!! وأتذكر، وأنا أعمل صحفياً منذ حوالى 60 عاماً، وعاصرت برلمانات قبل ذلك.. وبعده كيف كان النواب - كل النواب - ينتظرون عرض الموازنة العامة على البرلمان.. ليصولوا ويجولوا ويوجهوا الأسئلة ويتقدموا بطلبات الإحاطة، بل والاستجوابات حول بنود هذه الموازنة. وكانت الحكومة تحرص، بكل وزرائها، على الحضور يومياً إلى المجلس وهى مستعدة للرد على النواب.. وكان كل طرف يحمل مستنداته وأوراقه.. وكان كل حزب - أيام كانت عندنا أحزاب حقيقية - يستعد ويعد ما يأخذه على الحكومة ككل.. وعلى كل وزير على حدة.. فهل انتهى كل هذا العصر الذهبى الذى كانت فيه الحكومات «تخشى» مواقف النواب وتحاول ترضيتهم بأى وسيلة.. ليوافقوا.. أما الآن - وكما رأينا - فلا حس ولا خبر.. بل موافقون.. موافقون، حتى ولو جاءت الموافقة النهائية غير دستورية، أى بعد بدء العمل بمشروع الموازنة!!
ولقد كنت أجهد نفسى - وأنا صحفى مهتم ومتخصص فى القضايا المالية والاقتصادية - بأن أقرأ مشروع الموازنة لكى أكشف ما فيه من خلل أو خطأ.. وكنا نفرد الصفحات الطوال.. بل كانت الحكومة تخشى مما ننشره.. لأنه كان يكشف الحقيقة.
■ ■ أليس فى الميزانية شىء واحد يلفت أنظار النواب.. أم هم من نوعية من لا يفهم جيداً أمور المال والاقتصاد.. وإذا كان هذا يحدث ومصر فى أخطر أزمة تواجهها من عجز رهيب.. ومن ارتفاع أشد فى حجم الديون والقروض. بل فاقت أعباء هذه الديون قدرة الشعب على التحمل.. فمتى يتحرك نواب الشعب.. إذا كان هذا البرلمان فعلاً يمثل الشعب؟!
■ ■ وحجم الإنفاق الحكومى شديد الإسراف ألم يلفت نظر نائب واحد، وفى البرلمان - كما يشاع - عدد من كبار رجال الأعمال.. أم الكل صامت ربما بسبب تعليمات من هنا.. أو من مصالح هناك؟!
■ ■ حقاً هى موافقة برلمانية.. ولكن الشعب نفسه يعترض.. ولما كانت هذه الموافقة - قبل أن يفض البرلمان جلساته - ضرورة دستورية.. فكم كنت أتمنى بدلاً من أن يوافق البرلمان، على طول الخط - وأن يصبح على لسانه تعبير واحد هو: موافقون.. موافقون.. فمتى فعلاً نجد البرلمان - نفس البرلمان - يعارض ولو لمرة واحدة.. وأن يعلن ولو لمرة واحدة أنه «لا يوافق» أم هو برلمان موافقون لا أكثر ولا أقل.. وكم من البرلمانات ما يضحك الشعوب!!