المصرى اليوم
فتحية الدخاخنى
ضمير مصر في «الداخلية»
يتمتع المصريون بقدر من الذكاء والكثير من الفهلوة التي تسمح لهم بالتحايل على القوانين مما يزيد من تعقيد الإجراءات في محاولة من الدولة لصد طوفان الفساد، وبين كثير من دواوين الحكومة، ودهاليز المكاتب الحكومية، يبقى المرور واحدا من أصعب المقار الحكومية التي تتطلب قدرا لا بأس به من الثبات الانفعالي، لكي يتجاوز المرء ما يتطلبه إنجاز المعاملة من قدرات خارقة، للتعامل مع موظفين ومسؤولين يعتقدون أن مهمتهم هي تعقيد حياة المواطن، والبحث عن طريقة لاستغلاله.

والحقيقة أن تجربتي في الأسبوع الماضي مع خطاب رفع الحظر البنكي الذي يتطلب شهرا للوصول من البنك في مصر الجديدة إلى مرور الدقي، دفعتني للتساؤل عن مدى قدرة الحكومة الإلكترونية على أن تتخلى عن الجمل، وتركب صاروخاً ينقل مصر إلى عصر التكنولوچيا والمعلوماتية والإلكترونية مثلما يطمح الرئيس عبدالفتاح السيسي في غالبية خطاباته إلى تحقيقه.

ورغم الكثير من الصعوبات التي تواجه المصريين في التعامل مع المرور ومع غالبية أجهزة الدولة البيروقراطية، إلا أن مشهداً جديراً بالتقدير أعاد الثقة إليَّ بأن في مصر كثير من المسؤولين المحترمين من أمثال العميد عصام صلاح، مساعد مدير مرور الجيزة، فعلى العكس من المشهد التقليدي للضابط الكبير الذي يقبع في مكتبه المغلق الباب دائما، وسط حراسة مشددة من العساكر والمعاونين لا يخدم إلا معارفه أو كبار القادة، وجدت مسؤولا سمح الوجه بشوش في وجه الجميع، باب مكتبه مفتوح دائماً وبلا حراسة يستقبل أي شخص يريد إنهاء معاملة أو إنجاز مصالحه.

سألني إذا كنت أجيد اللغات الأجنبية لمساعدة فتاة مصرية بسيطة تعيش خارج مصر ولا تعرف اللغة العربية، لم يكن يعرفها ولم تأته بواسطة، لكنه كان حريصا على تأدية عمله وخدمتها بمنتهى التواضع.. سألته لماذا تفعل هذا.. فقال لي: «من أجل أن يعود الخير على أولادي بدعوات الناس والضمير المرتاح في إنجاز العمل على أكمل وجه».

رأيته يتحمل مسؤولية الكثيرين بالتوقيع على معاملاتهم ليتم إنجازها بالاستثناء، وأكد أنها بسيطة ولا مشكلة مالية أو قانونية فيها، وأن الرحمة فوق القانون، وطالما كان يستطيع تلبية طلبات المواطنين وتخفيف معاناتهم، فلماذا التعنت؟!.

المشهد نفسه تكرر في إدارة الجوازات، تحت إدارة العقيد خالد خضر، مدير جوازات العجوزة، فهو يعتمد أيضا سياسة الباب المفتوح، ويعمل على خدمة المواطنين دون أن يأتوه بواسطة، يستقبلهم بوجه بشوش، ويمزح معهم أحيانا ويوجه معاونيه إلى خدمتهم دون أن يثقلوهم باللف على المكاتب والتوهان في أروقة البيروقراطية.

هذه نماذج مشرفة لجهاز الشرطة، ووزارة الدخلية، الذي يعاني كثيراً ممن يسيؤون له من داخله قبل خارجه.. وقد شاهدت بنفسي عددا منهم في نفس التجربة، فكان هناك ضابط الشرطة المتعجرف المتعنت، الذي يغلق بابه في وجه المواطنين، ولا يريد مساعدة أحد، حتى من يأتيه بواسطة، ويسعد بتعقيد الإجراءات وتأجيل مصالح المواطنين.

وسط هذا التناقض وفي جو مليء بالسلبيات، والبيروقراطية، وفي مناخ يشجع على العداء والبيروقراطية، لا بد من توجيه رسالة شكر لكل مسؤول يعمل على أداء واجبه بضمير، ويسعى لخدمة المواطن دون أن يرهقه بالطلبات والأوراق والأختام، رسالة شكر لكل مسؤول يستحق التكريم ولكل المخلصين وأصحاب الضمير من أبناء مصر في كل المواقع، فلو عمل كل فرد في الوطن بنفس الضمير والإخلاص لتغير حال مصر، وأصبحت فعلا الدولة التي نتمنى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف