د . أحمد عاطف
الكائنات وجهدها فى الكون !
حبة العرق كنز ثمرة الجهد الانسانى المنظم العاقل على هذه الارض تلك الهبة الاعجازية التى منحها الخالق للانسان أن يعمل ويجتهد و يتوج عمله بانجاز ما. كثيرا ما اتأمل قيمة الجهد فى الحياة و ارى انه جهد مقدس بحق. و سر التقديس أن الله سبحانه و تعالى جعل الجهد الانسانى قد يهدف فى كثير من الاحيان إلى غايات سامية، أكثر من مجرد البحث عن الطعام الذى يميز بحث كل الكائنات الاخرى التى نعرفها والمختلفة عن الإنسان. الحيوانات والحشرات و الطيور جميعها تجتهد لسبب واحد فقط هو ايجاد زادها. والشياطين توسوس للإنسان وهذا دورها فى حدود علمنا. أما الملائكة فما نعرفه عنها نابع من الكتب السماوية فقط : أنها تنشر الخير فى الارض وتعبد الله وتسبح بحمده أعطاهم الله القدرة على التشكل. مثلما تشكل الملاك جبريل فى أكثر من صورة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويقول القرآن الكريم ان الملائكة لها الكثير من الاعمال مثل حراسة الانسان ومثل كونهم سفراء الله سبحانه للانبياء والرسل. ويعتقد الانسان انها تحثه على الخير وان لكل ابن ادم قرين له من الملائكة حسب النص القرآنى الذى يضيف ايضا ان هناك اثنين من الملائكة يحيطان الانسان يحصيان اعماله من حسنات او سيئات. ومن الادوار الرئيسية ايضا للملائكة قبض أرواح البشر عندما يأمر الله بعودتها إلى بارئها. وتقول آية قرآنية اخرى إن الملائكة يلعنون الكفار، ولاأحد يعرف صورة اللعن هل هى بالفعل ام بالقول. هناك ملائكة، وعددهم ثمانية، موكلون بحمل العرش، والله مستو عليه. وللجبال ملك موكل بها، والنبات ملك موكل بها. وللسحاب ملك موكل بها.
ويؤمن المسلمون إيماناً تاماً، بأن الملائكة مخلوقون، ومفطورون، ومجبولون، ومطبوعون على طاعة الله وعبادته، أى يعجزون عجزاً تاماً عن معصية الله، وهذه الطاعة لا تحتاج منهم مجاهدة كما عند الإنسان، لأنه لا شهوة لهم فيما نعرف، وتركهم للمعصية وطاعتهم لله إجبارية.
وهناك عدة عبادات يفعلها الملائكة، غير طاعتهم لله فى تنفيذ المهمات الموكلة إليهم، أولها التسبيح، فالملائكة يسبحون الله ويذكرونه، فيسبحه حملة عرشه ويسبحه عموم ملائكته.
وتشمل مملكة الحيوان مئات الألوف من أنواع المخلوقات، تختلف فى الحجم من المخلوقات ذوات الخلية الواحدة الميكروسكوبية الحجم إلى الحوت الأزرق الضخم. وتوجد الحيوانات فى كل البيئات والأرجاء، من قعر المحيط السحيق إلى قمم الجبال العالية، ومن الصحارى الحارقة إلى أقاصى القطب المتجمدة. وعلى مر ملايين السنوات طور كل نوع من الحيوانات طريقة معيشته لتناسب البيئة التى يعيش فيها. وربما كان أوضح فرق بين الحيوان والنبات هو أن باستطاعة الحيوانات التحرك والتنقل، بينما يبقى النبات ثابتا فى مكانه. و هناك صلة شديدة التركيب والتعقيد بين النبات والحيوان. و بينهما وبين كل الكائنات الأخري.فكل منهما يعتمد على الأخر للغذاء ولاكتمال دورة الحياة، تلك المسماة ا اكو سيستمب فى أدبيات علم البيئة.
فالنبات يحول الطاقة الشمسية الى نشا وسكر، ثم تأتى الحيوانات فتأكل النباتات. ثم تأتى الحيوانات آكلة اللحوم لتأكل الحيوانات التى تأكل النبات. ثم تموت تلك الحيوانات أو تقتل لتتحلل وتختلط بمعادن الأرض فيستخدمها النبات لكى ينمو من جديد.
والمجتمع المعيشى للحيوان نفسه قائم على القنص والقتل والذبح من أجل اكتمال دورة الحياة. وهو مكون من مستويات مختلفة من التنظيم. وبين غالبية هذه المستويات يوجد نظام اجتماعى صارم، ويحافظ على هذا النظام الصارم صراع مستمر بين أفراد كل جماعة. أى أن هذا العالم قائم على قتل الأضعف ثم القتل من الأقوى ثم التحلل للرجوع للأصل.
أما الإنسان، فقد خلقه الله مثل كل الكائنات السابقة يتصارع ويبحث عن الغذاء لكن اوجد بداخله القيم الكبرى وأولها الرحمة. و كرمه كذلك بميزات أخرى أكثر رقيا. اوجده الإله لينشر الحب ويعمر الارض و يصل إلى روحانيات لا تعرفها الكائنات الأخرى المعروفة لديه. خلقه نحاتا وشاعرا وموسيقيا وعالما ومنحه حرية كبيرة فى اختيار افعاله رغم ان الله كاشف لمصيره مثل بقية الكائنات الأخري. فجعله الله يعبده مثل الملائكة، لكن من خلال اديان وطرق مختلفة، حتى يجتهد بنفسه ويجد الطريقة المناسبة له للوصول إلى الخالق. ويقول بعض المتصوفة إن عدد الطرق للوصول الى الله بعدد انفاس البشر. أى أن الانسان يجب عليه ان يجتهد ليصنع صلته مع الله. ولابد له ايضا ان يصنع بنفسه كذلك صلته مع الكون ومع اقرانه من بنى الإنسان ومع كل الكائنات حوله. ان جهد الإنسان يكون مقدسا فى رأيى لانه جهد يتمتع بالحرية وله غايات اسمى من البحث عن الطعام.
لعلنا نرتقى بأفعالنا و=نعرف كم ميزنا الله عن سائر خلقه.