الوفد
علاء عريبى
الطاعة العمياء
من الظلم أن نتهم أعضاء جماعة الإخوان أو التيارات الإسلامية وحدهم بإلغاء عقولهم، وتسليمها إلى قيادات الجماعة أو التنظيم، لأن الذى يحلل جيداً الشخصيات التى يختارها النظام الحاكم لا تفرق كثيراً عن أعضاء الجماعة، صحيح ينتمى أغلبهم إلى أيديولوجيات مختلفة: اليسار، والليبرالى، والإسلامى، والمستقل، لكن فى النهاية لا يختلفون عن أعضاء الجماعة فى الطاعة العمياء، معظمهم أو جميعهم تنازل عن إرادته إلى قيادات النظام من أجل دخوله دائرة الحكم.
فى البلدان الديمقراطية، يتم تداول السلطة بين الأحزاب التى تفوز بالأغلبية فى انتخابات شعبية، فيقوم صاحب الأغلبية بتشكيل الحكومة، سواء منفرداً أو بالمشاركة مع بعض الأحزاب الأخرى، وقد تكون الشخصيات المرشحة لحمل حقائب وزارية أو تولى مسئولية بعض الهيئات، بعيدة تماماً عن العمل الحزبى، يستعان بها لخبرتها أو لموهبتها أو لتفوقها، بعد أن يستقر صاحب الأغلبية على أسماء الفريق الذى سيعتمد عليه فى الإدارة، من داخل الحزب وخارجه، تسلم الأسماء للأجهزة الأمنية لعمل التحريات، فقد يكون بعضهم متورطاً فى قضايا مخلة بالشرف أو قضايا تمس الأمن الوطنى، بعد أن يطمئن صاحب الأغلبية على سيرة وتاريخ الشخصيات يعلن الأسماء.
فى مصر والبلدان العربية يختلف الوضع كثيراً، حيث تتحكم الأجهزة الأمنية فى اختيار الشخصيات بشكل أساسى، وتبدأ عملية الاختيار منذ الصغر، تنتقى بعض الشباب وتقوم بإدخالهم الصندوق وتعمل على تربيتهم وتدريبهم، ويشترط فيمن يقع عليه الاختيار أن يسلم عقله، ويتعلم الطاعة العمياء، أو بعبارة أخرى أن يكون مؤهلاً للانكفاء والانبطاح، فى المقابل تسند إليه بعض المهام فى إدارة البلاد، فيحمل حقيبة وزارية أو يتولى منصباً قيادياً فى هيئة أو مؤسسة أو شركة أو مصنع أو صحيفة أو قناة، حتى المناصب الصغيرة فى الجامعات والمؤسسات والهيئات والشركات، تختار لها الأجهزة رجالها.
لم يكن الرئيس مبارك هو صاحب الفضل فى اتباع هذا الأسلوب الأمنى فى الاختيار والتدجين والتدريب والدفع والحفظ داخل الصندوق، بل إن هذا الأسلوب كان متبعاً منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، حيث منح عبدالناصر سلطة الإدارة والمتابعة والاختيار والقرار للأجهزة الأمنية، ومات عبدالناصر وبقيت الأجهزة الأمنية وصندوقها الأسود، وظلت الأجهزة فى ممارسة مهامها فى إدارة البلاد عبر وسطاء الصندوق الذين سبق وقامت بتدجينهم وتربيتهم منذ سنوات.
والمضحك أن جماعة الإخوان عندما تخلت لها النخب السياسية عن الإدارة ودفعتها للحكم، طبقت الجماعة أسلوب الصندوق، وقامت بدفع رجالها الذين سبق وربتهم على الطاعة العمياء.
بعد ثورة يونيو كنا نعتقد أن مصر مقبلة على الأسلوب المتبع فى بلدان العالم، تجرى الانتخابات، ويقوم أصحاب الأغلبية باختيار الشخصيات المؤهلة للإدارة، لكن للأسف الشديد، اكتشفنا أننا قد عدنا إلى صندوق الأجهزة الأمنية، نختار من تمت تربيتهم على الطاعة العمياء، تماماً مثل جماعة الإخوان.
للتنبيه فقط: الصندوق الأسود يضم شخصيات حكومية، وحزبية، ومستقلة، وإسلامية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف