الوطن
ريهام نعمان
الجيش والحرب الشاملة.. «النفسية 1»
لم أكن أدرى أن الحماسة التى قادتنى لخوض تجربة مهنية مثيرة ذات ثقل بالغ ومن الصعب تكرارها، هى ذاتها وقود الوعى الذى أشعل داخلى نيران غضب وطنى لا تهدأ طالما الجيش مستهدفاً.

كنت من أوائل المراسلين العالميين الذين توجهوا إلى ليبيا فى 22 فبراير 2011 لتغطية ما سمى إعلامياً «ثورة شعبية على القذافى».

على طول المدن الشرقية الليبية أكثر ما أثار انتباهى وقلقى كانت الكتائب العسكرية المدججة بالأسلحة الثقيلة والذخائر الحية يقوم على تأمينها عدد محدود من أفراد الجيش وقد تمكنت من دخول معظمها وتصويرها.. لم أمكث طويلاً حتى أجرى حوارات مع عناصر لجماعات مسلحة قالت إنها دخلت عبر السودان ودول أخرى، وقبيل الإعلان عن تدخل الناتو لحسم الأمر كانت قوات عسكرية قطرية قد أخذت مواقعها لإدارة تلك الجماعات فى مواجهة الجيش الليبى، تزامناً مع تلك المشاهد كانت ترسو السفن المحملة بالأسلحة الثقيلة فى ميناء بنغازى مقبلة من قطر وفرنسا وتركيا، وكان السؤال الذى عصف بذهنى طوال شهور الحرب: هل هذا الكم الهائل من العناصر الإرهابية والأسلحة الثقيلة فقط لإسقاط ليبيا الدولة أم أن مصر هى المستهدف الأول؟.. فور عودتى للقاهرة كانت الإجابة الجلية أن الجيش فى المواجهة وإن لم تكن المواجهة العسكرية قد بدأت فإن الحرب النفسية السوداء وهى جزء من الحرب الشاملة مستعرة ضده الآن.

والحرب النفسية فى أبسط تعريفاتها هى أنشطة سيكولوجية مخططة تمارس فى السلم والحرب وتوجه ضد الجماهير المعادية والصديقة والمحايدة مستهدفة الفكر والعقيدة من أجل التأثير على مواقف وسلوكيات هؤلاء لكى تؤثر إيجاباً نحو إنجاز هدف سياسى أو عسكرى معين.. فى ميدان الحرب النفسية التى أطلقت ضد الجيش المصرى فى أعقاب الـ25 من يناير تجنب العدو الحقيقى التعريف بنفسه واختفى حول مجموعات محلية لبست زيفاً لباس الوطنية وأصوات نكراء تحدثت باسم الدين وكان الدور الأبرز لبعض وسائل الإعلام.. باختصار كان الداخل مخترقاً كما لم يحدث مسبقاً فى التاريخ المصرى.

وكانت الأهداف الاستراتيجية لتلك الحرب:

■ التأثير السلبى على العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة عبر تشويه الصورة الذهنية للجيش.

■ تفتيت النسيج الوطنى للشعب ووضع حق الوطن فى مواجهة وتناقض مع حقوق المواطنة.

■ إخراج الجيش من معادلة الأمن القومى وكونه جزءاً أصيلاً من القرار الاستراتيجى والسياسى والأمنى.

تلك مقدمة لما سيتم تحليله خلال الحلقات المقبلة للاقتراب أكثر من مشاهد محددة قمت برصدها وتحليلها ضمن سيناريو الحرب النفسية التى تدار ضد الجيش المصرى منذ عام 2011 حتى الآن والاستراتيجية المقابلة التى يتصدى بها الجيش.

ربما لا يعلم الكثيرون منا أن الجيش المصرى تاريخياً هو من استحدث الحرب النفسية كجزء من الحرب الشاملة ووضع لها الآليات وحدد من ورائها الأهداف، فلم يكن الإسكندر المقدونى كما ادعى الأوروبيون ولا جنكيز خان كما يعتقد البعض.

إن القائد تحتمس الثالث أول من استخدم الحيلة والمفاجأة لفتح يافا فى فلسطين حينما استعصى عليه الأمر عسكرياً فانطلق يروج الشائعات حول غضب فرعون الذى سيلاحق حاكم يافا حتى ملأ الرعب قلب الأخير وخرج من المدينة المحصنة لمقابلة تحتمس الثالث الذى سارع بقتله ودخول يافا، تلت ذلك عدة معارك استخدم فيها الجيش المصرى الحرب النفسية بجانب الحرب العسكرية لتحقيق الانتصار.

من يقرأ تاريخ مصر بعناية يدرك أنه لولا الجيش ما كانت مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف