الأخبار
ياسر رزق
«موسم الشر».. و»كلاب النار«
الحزن واجب في هذه اللحظات الصعبة، لكن التفكر والتدبر أوجب.
الإحساس عندي بالاطمئنان يتغلب علي مشاعر الحزن، برغم أرواح الشهداء التي أزهقت وهي غالية. وبرغم دماء المصابين التي أريقت، وهي عزيزة.
فحين يلجأ عدوك إلي الانتحار بعربة مفخخة أو حزام ناسف، يكون إذن قد هزمه اليأس، ولجأ إلي »التشويح»‬ العشوائي، بعدما عجز عن تسديد الضربات المخططة المركزة.
هذا ما حدث أمس الأول في حادث كمين »‬البرث» جنوب رفح. وهذا ما حدث قبله بشهور في حادث كنيستي طنطا والإسكندرية.
لا يتطلب الأمر إمعانا طويلا في التفكير والتحليل من أجل استخلاص أهداف حادث الجمعة، ويمكن إجمال تلك الأهداف في عدة نقاط:
• أولاً : اقتياد المصريين إلي دوامة الإحباط، وتيئيسهم من حسم المعركة ضد الإرهاب، كلما بدا أنها تقترب من نهايتها لكن هذا الشعب يعي مراميهم، ويعلم أن الحرب علي الإرهاب مهما طالت فهي محسومة بالنصر لصالحه، ويدرك أن هذا الحادث ليس الأول وقد لا يكون الأخير لكنه وغيره لن يزعزع من دعائم هذه الدولة العريقة، ولن يفت في عضد الكتلة الوطنية لهذا الشعب، أيا كان حجم الجراح وعدد الضحايا.
• ثانياً : ردم فرحة المصريين في نهاية أسبوع ذكري ثورة ٣٠ يونيو وبيان الثالث من يوليو الذي أطاح بحكم الإخوان إلي غير رجعة، بركام من الأسي والدموع علي الضحايا، عسي أن تلين عريكة المصريين، فيستجيب بعضهم لدعاوي تطلق داعية إلي فتح قنوات اتصال مع قادة الإرهاب السجناء والمحبوسين من قيادات جماعة الإخوان ولا ننسي أنهم سبق وأعلنوا ان مفاتيح تشغيل تنظيمات الارهاب في سيناء بأيديهم.
فإذا لقيت هذه الدعاوي بعض أذان تصغي وألسنة تؤيد، يكون ذلك بمثابة ثغرة تدلف منها الجماعة إلي الحياة العامة، أو علي الأقل تحدث شقا في الصف الوطني وجدار تحالف ٣٠ يونيو.
لكن علي غير ما يشتهي قادة جماعة الإخوان، فلن يزيد هذا الحادث وغيره الشعب المصري الا تصميما علي الخلاص من أصحاب المفاتيح ومحركي العرائس.
• ثالثاً : صرف الأنظار عما تحقق مؤخرا لمصر من نجاحات علي صعيد السياسة الخارجية، بالأخص في مجال وضع هدف محاسبة الدول الراعية للإرهاب والداعمة لجماعاته في بؤرة اهتمام المجتمع الدولي، وحشد تأييد دول الخليج المؤثرة لهذا الهدف، وهو ما تجلي في إجراءات الرباعية العربية لعزل النظام القطري واتخاذ تدابير لمعاقبته ليس آخرها ما أعلن مؤخرا.
لكن هذا الحادث الذي يراد منه أن يتساءل البعض كيف تكون قطر وراءه وهي معزولة، جاء بنتائج علي غير مراد هؤلاء، وفضح مجددا حجم الدعم المالي واللوجيستي والتسليحي لجماعات الإرهاب، وارتباطها بقطر وحلفائها الذين سيأتي أوان عقابهم في القريب العاجل.
• رابعاً : إثارة زوبعة من الشكوك حول الاستعداد القتالي للجيش المصري، عن طريق القيام بعملية تفجير وإغارة سريعة قبل أن يشق النور عتمة الفجر، تؤدي إلي سقوط عدد كبير من الضحايا، ثم الفرار في جنح الظلام إلي الكهوف والأنفاق التي أتي منها المهاجمون.
ومن ثم يتساءل البعض أين هي الطائرات الحديثة وحاملات الهليكوبتر، وكيف سيكون الموقف لو دعا الداعي إلي خوض حرب تقليدية ضد جيش نظامي، إذا كانت الخسائر البشرية في مواجهة مع ميليشيات إرهابية كبيرة، وينسي المتسائلون التطور الهائل الذي شهدته القوات المسلحة تدريبا وتسليحا وكفاءة قتالية علي مدي ٤ سنوات مضت، مما جعلها تحتل المركز العاشر ضمن أقوي جيوش العالم، وهو ترتيب لمن يعرف ظالم للجيش المصري!
غير أن أسلوب تنفيذ العملية، ورد الفعل السريع الكاسح لقواتنا المسلحة قلب الطاولة علي رأس أصحاب الغرض.
فحادث »‬البرث» لم يكن مواجهة ولم يسقط الشهداء والمصابون من أفراد الجيش المصري في اشتباكات بالسلاح إنما في تفجير عربة مدرعة مفخخة محملة بمئات الكيلو جرامات من المواد شديدة الانفجار، اندفعت بسرعة قصوي وسط الظلام، ليفجرها قائدها عند اقترابه من نقطة الارتكاز، فتؤدي الموجة الانفجارية إلي سقوط هذا العدد من الضحايا. وهذا النوع من عمليات التفجير يصعب للغاية تفاديه، لأن المدرعات لا يمكن تدميرها وهي قادمة بهذه السرعة وسط الظلام، إلا عند اقترابها ومن خلال المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، فإذا تم تدميرها بالقرب من المكان لا يمكن تجنب آثار انفجارها علي الأرواح.
وبرغم صدمة الانفجار التي أعقبها قصف بالصواريخ المحمولة علي نحو ١٢ عربة رباعية الدفع، كان رد الفعل لعناصر الجيش والأسلحة المشتركة سريعا للغاية، فلم يستطع أفراد الميليشيات الإرهابية الفرار إلي مخابئهم وتعاملت معهم عناصر الكتيبة (١٠٣) بالنيران الكثيفة. وأقلعت مقاتلات القوات الجوية طراز (إف-١٦) وطائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز (أباتشي) ومعها طائرات إنذار مبكر واستطلاع جوي طراز (إي-٢ سي) وكلها جاهزة مع كل طائرات القتال في قواعدها بمختلف الاتجاهات الاستراتيجية لتنفيذ أي مهام علي مدار ٢٤ ساعة يوميا.
ومن يمعن النظر في شريط الفيديو الذي بثته القوات المسلحة أمس الأول عن العملية الجوية، يجد الطائرات تقلع في ظلام ما قبل الشروق، أي بعد التفجير بدقائق، ويشاهد دقة إصابة عربات الدفع الرباعي التي كان يستقلها الإرهابيون وتدميرها بالصواريخ تدميرا كاملا بمن تحمل، مما اسفر عن تحويل ٦ عربات منها إلي شظايا، ومقتل ما يقرب من ٥٠ إرهابيا من كلاب النار، بنيران قوات الصاعقة وصواريخ المقاتلات والهليكوبتر الهجومية.
رد الفعل الكاسح للجيش المصري، جعل السحر ينقلب علي الساحر، وحول عملية التفجير والإغارة، إلي مصيدة قتل للإرهابيين.
كان هدفهم زعزعة الثقة في جاهزية الجيش المصري وفشلوا. كان هدفهم تحويل مواقع التواصل والفضائيات الممولة قطريا وتركيا الي ساحات محاكمة للجيش بحضور محلفين هم افراد شعب مصر وعجزوا وسخر منهم المحلفون. كان هدفهم في حده الادني ان يستغلوا حزن المصريين، ليخرج بعضهم من حسن النية يجلدون ذواتهم أو من جنرالات المقاهي يسدون النصائح للجيش في كيفية إدارته للحرب ولكن الشعب المصري وجه حزنه إلي طاقة غضب، إلي مشاعر اعتزاز ببطولة رجال الكمين، وبسالة النسور وعبروا عن ذلك بتداول فيديو العملية الجوية لتغمر الفضاء الالكتروني.
ما زالت عمليات التطهير وإحراق كلاب النار مستمرة، ولن تكون رهنا بثأر علي حادث أو انتقاما من عملية وعلينا أن نتذكر أن حادث أمس الأول في سيناء هو العملية الثانية ضد أماكن تمركز لعناصر الجيش المصري خلال 18 شهراً.
وعلينا أن نعلم أنه في عام 2015 شهدت البلاد 532 عملية إرهابية منها 120 عملية في سيناء وحدها. بينما النصف الأول من هذا العام شهد 31 عملية إرهابية منها 6 عمليات ضد أهداف مختلفة في سيناء.
والسبب هو نجاح عملية »‬حق الشهيد» بمراحلها الثلاث الأولي في القضاء علي عدد كبير من قيادات الإرهاب، وضرب البنية التحتية لهذه التنظيمات إلي حد كبير وتدمير عدد من مخازن العتاد والسلاح والذخيرة التابعة لها.
• • •
لعل الكثيرين يذكرون عبارات الرئيس السيسي في خاتمة كلمته أثناء الاحتفال بليلة القدر منذ 16 يوماً مضت، حين دعا الأجهزة الأمنية والجيش والشرطة إلي الانتباه واليقظة والتحسب من »‬موسم الشر». وكان يقصد أن جماعات الإرهاب تنشط بجرائمها، في أعياد المصريين كعيد الفطر الذي كان آتيا بعد أيام معدودة، وفي مناسباتهم السارة كذكري ثورة 30 يونيو وبيان الثالث من يوليو وغيرها من أعياد.
شدد الرئيس في نهاية خطابه ثلاث مرات علي ضرورة أخذ الحيطة، لأن الإرهاب في كل عيد أو مناسبة للمصريين، يريد أن يسعد بقتلهم، ويفرح بأذاهم ويهنأ بتدمير مقدراتهم.
وربما يتساءل البعض: هل ذهبت عبارات الرئيس سدي، وأهملت الأجهزة الأمنية والجيش والشرطة واجباتها رغم تحذيراته؟
أعلم يقينا أن الإجابة هي النفي. وأدعي أن الرئيس تلقي معلومات يقينية من الأجهزة الأمنية نفسها باختلاف مهامها عن مخططات لعمليات إرهابية، فأراد بكلامه أن ينبه عموم الشعب ليتحوط أفراده وينتبهوا لسيارة مثيرة للشك أو حقيبة متروكة تدعو للريبة. وأظن أن تحذيراته لو كانت موجهة أساساً لجهات الأمن وإنفاذ القانون، ما أعلنها في محفل عام، واكتفي بما يقوله للمسئولين عنها في لقاءاته العديدة الأسبوعية معهم.
وأسمح لنفسي أن أقول إن الفترة الماضية تحديداً بالذات الأسابيع القليلة الفائتة، كانت مسرحاً لعمليات إجهاض ناجحة خارج مصر وداخلها ضد مخططات إرهابية لو وجدت طريقها إلي التنفيذ، لكان الحزن مقيماً، وسرادقات العزاء ممتدة في مصر ودول شقيقة.
ولعل وقت الإعلان والكشف اقترب.
• • •
الصراحة تقتضي إبداء ملاحظات هي في رأيي المتواضع دعما لا غني عنه للمجهود الحربي في معركتنا مع الإرهاب.
- أظن تغليظ التدابير ضد النظام القطري في الأيام والأسابيع المقبلة ضرورة حتي لا تهدأ الأمور وتكل قبضة الضغط ويفعل الزمن فعلته. فلابد من اتخاذ إجراءات لمحاسبة قيادات النظام وعلي رأسهم الأمير ووالده الذي عزله أمام المحاكم الجنائية الدولية وسداد التعويضات بما ارتكبه النظام بدعمه للإخوان وحلفائهم من جرائم ضد مصر، مثلما فعلت بريطانيا مع ليبيا في حادث إسقاط الطائرة فوق لوكيربي، ولست أظن الدول العربية في مواجهة أدلة دامغة ضد النظام القطري ستقبل استمرار وجود قطر ضمن الأسرة العربية داخل عضوية جامعة الدول العربية، لاسيما أن الجامعة نفسها أخرجت مصر أكثر من 10 سنوات من عضويتها لأنها سعت لاستعادة أرضها، وأخرجت سوريا لأن نظامها ارتكب جرائم في حق شعبه، وليس في حقوق شعوب أخري مفترض أنها شقيقة لقطر. وأظن أن دول الخليج لابد أن تنظر قريباً في مسألة عضوية قطر بمجلس التعاون الخليجي، وهي التي تآمرت لإراقة دماء أشقائها في اليمن ودبرت لاغتيال قادة خليجيين ومولت عمليات لقلب أنظمة الحكم بدول كانت أقرب ما تكون لها!
وأحسب أن مصر ستواصل ضمن الرباعية العربية خطة المحاسبة والعقاب، وستمضي في نهجها ولو منفردة.
- أظن الإخوة في حركة »‬حماس» مطالبين، -خاصة بعد ما قدمته لهم مصر في الآونة الأخيرة- ببذل كل الجهد لقطع طريق الإمداد علي ميليشيات الإرهاب في سيناء، ولو من باب إثبات حسن النوايا، أو من باب إظهار أن جريمة كمين »‬البرث»، كانت تستهدف ضمن ما تستهدف، إجهاض تقاربها الأخير مع مصر.
- أظن أهلنا البواسل في سيناء، سيبادرون بتعاون أكثر مع جيشهم وشرطتهم، وتقديم كل المساعدة لأجهزة الدولة في أي إجراء تستوجبه حماية أبنائهم من أفراد الجيش والشرطة، وتستلزمه عمليات تصفية أوكار الإرهاب في الشمال الشرقي من سيناء الشمالية.
- أظن وجود حسابات علي مواقع التواصل الاجتماعي، تهزأ من تضحيات الجيش والشرطة، بل تحرض علي قتل رجالهما، هو جريمة تستوجب القبض فوراً علي أصحاب هذه الحسابات بتهم ترقي إلي الخيانة العظمي، وهذا أمر يتيحه قانون العقوبات، وليس فقط قانون الطوارئ بمقتضي حالة الطوارئ التي جددت لمدة 3 شهور.
- أظن القرح الذي أصاب ويصيب أسر الشهداء والمصابين من العسكريين والمدنيين، لابد أن يقابله قرح يصيب أسر الإرهابيين، عسي ذلك أن يكون رادعاً أو باعثاً علي الإبلاغ عن الجانحين من كلاب النار.
- أظن العدالة يفارقها اسمها ما لم تكن ناجزة.
وأظن بطء إصدار أحكام نهائية باتة، في قضايا عمرها يقارب 4 سنوات، وأقصد تحديدا قضايا جماعة الإخوان الإرهابية، يفقد حرب الأمة ضد الإرهاب أهم أسلحتها وهو الردع وكسر إرادة العدو.
• • •
لو كانت مصر دولة فاشلة، ما حوربت.
لو كانت دعائم دولتنا متداعية، لتركت تنهار بتداعيها.
لو كان الصف الوطني منشقاً، ما دُفعت مليارات الدولارات في الحروب النفسية والدعايات السوداء عبر فضائيات الإرهاب ووسائل التواصل علي الفضاء الالكتروني.
لو كان الجيش المصري غير هذا الجيش العظيم، ما احتفلنا منذ أيام بالذكري الرابعة لزوال حكم الإخوان إلي غير رجعة، وما كان لعيد تحرير سيناء لزوما، ولكانت رصاصات وقنابل وعبوات الإرهاب لا تجد من يصدها في سيناء، ولعبرت القناة تعربد في أرجاء مدن وقري الوادي.
الحرب ضد الإرهاب، سلاحها البتار هو النار. فالحجة لا تغير عقولا أظلمتها أفكار التكفير، ولا تغزو قلوباً أمرضتها عقائد فاسدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف