كل حروف الهجاء أصبحت سجينة.. تنتقل من معسكرات التعذيب إلي غرف التحقيق.. من الألف إلي الياء تخشي من هتك العرض والزنازين الانفرادية والصعق بالكهرباء.. جميعها مستعدة للاعتراف.. لكن لا أحد ينصت لأن لا أحد يبحث عن الحقيقة.. الكل يريد اتهام الآخر وادعاء البطولة.
حروف الهجاء صارت ترتدي زياً موحداً.. تحمل نفس قسمات الوجه.. رقمها القومي بات متطابقاً.. لأننا اخترنا تغييب العقل وتجاهل الحقائق.. الحقيقة نور ساطع ونحن نستمتع بغلق كل النوافذ واطفاء الأنوار.. وفي الظلام لا تري الألوان أو الملامح أو الأرقام.. لا نشاهد الا الاشباح.
حروف الهجاء ليس لها انتماءات سياسية أو قناعات عقائدية.. كل حرف بمفرده يكون مسالماً أليفاً.. وديعاً كعصفور الكناري.. بريئاً كبسمة فجر.. واضحاً مثل عيون طفل.. لكن عندما تجتمع حروف الهجاء تبدأ المؤامرة.. تشكل طابوراً خامساً يطعن في الظهر.. تصنع خلايا عنقودية مكفة باغتيال كل معاني البراءة.. تحمل الكلاشينكوف وتصوب إلي القلب.. ولم يعد في القلب متسع لمزيد من الجراح.
تفقد حروف الهجاء نفوذها عندما تتحول من وسيلة لتوضيح الحقائق إلي شعلة نار لاحراق المخالفين في الرأي.. تخسر حروف الهجاء عرشها عندما تتنازل عن دورها في التواصل والتفاهم بين البشر لتتحول إلي قنابل يدوية وألغام أرضية وقذائف نابالم محرمة دولياً.. تضيع حروف عندما يكون كل دورها التخوين والاتهام بالعمالة واحتكار الوطنية وادعاء البطولة وازدراء الخصوم.
كانت حروف الهجاء ريشة في يد شاعر ينسج قصيدة للوطن.. كانت حروف الهجاء سنداً لمثقف يطرح فكره لخدمة شعب.. كانت حروف الهجاء وسيلة لرفع غصن الزيتون.. الآن تحولت حروف الهجاء إلي خناجر وسيوف تطعن الجميع.. اطلقوا العنان لحروف الهجاء ليعود إلينا الوطن.. الحرية لحروف الهجاء.. والمجد للوطن.