جريدة روزاليوسف
أحمد الرومى
حضرة المنسق المحترم «أبو بؤين»!

كان منسق الائتلاف الوطنى جالسا على يمين المذيع مباشرة، حين كان الأخير يستقبل مداخلة تليفونية من شقيق أحد شهدائنا فى الهجوم الإرهابى، الذى وقع فى رفح، يوم الجمعة الماضية، كانت كلمات شقيق الشهيد حزينة، وصوته معبّق بوجع الفقد وهو يسرد تفاصيل عن حياة الشهيد، وفجأة اخترق هذه الأجواء صوت متململ (فى همس مقصود أن يُسمع، وموجه للمذيع) قائلا: «ما كنت خلتنا نقول البؤين.. أهو وقت الحلقة خلص!».
صدمنى الموقف. «بؤين!» سيادة المنسق عايز «بؤين»؟ إيه الحزن ده!
انتهى المذيع من مداخلة شقيق الشهيد، والتفت إلى هذا المنسق «أبو بؤين» وأوسعه تبكيتا. لأنه لم يرع جلال الموقف وحزن شقيق الشهيد. تراجع «أبو بؤين» مأخوذا، وقال إن تبرمه لم يكن من مداخلة شقيق الشهيد.
تبرأ هذا المحترم من التململ من المداخلة، لكنه لم يتبرأ من رغبته الملحة فى قول «بؤين» قبل الحلقة ما تخلص!
دققت فى هذا الموقف، وجدت أن هذا الشخص (الذى يرأس ائتلافاً يعلن فيه ان «مصر فوق الجميع») تجاهل مداخلة شقيق الشهيد تمامًا، لم يسمع منها كلمة على ما يبدو، والدليل أنه فى وسط المداخلة قال «أنا عايز أقول بؤين»! كان المنسق حينها محصورا فى «بؤين»، رأسه كانت تعانى مغصا كلاميا رهيبا، لم يستطع أن يتحمل مداخلة شقيق الشهيد إلى أن تنتهى، ولم تعنيه المداخلة أصلا، كل ما شغله هو قول الـ«بؤين» اللذين (من وجهة نظره) سوف يغيران وجه مصر وحياة المصريين!
حظّ «أبو بؤين» العثر أنى كنت اتابع الحلقة من بدايتها، وسمعت عينة محترمة من كلامه، كان ـ ما شاء الله ـ فى فمه مصنع حدادة، (بلا بلا بلا...) قال كلاما عن مصر والوطنية، وهاجم الإعلام، واتهمه بالخذلان فى الدفاع عن الوطن، وأسمع الحاضرين «كلاشيهات» لا تعبر عن امتلاكه وعيا حقيقيا لما يدور فى مصر، بل عن مغص دماغى مؤلم، نتيجة ابتلاع رأس معاليه كلاما كثيراً، لم يكن مربوطا ببعضه، فقط التهم «المنسق» الكلمات لأن المفردات أعجبته، فأخذ يكررها ويكررها ويرددها حتى صدّق نفسه، لكن معانى الكلمات التى يفضلها لم تكن راسخة فى تفكيره وضميره، والدليل أنه تجاهل سماع حكاية عطرة عن شهيد مات فى أرض المعركة، دفع حياته وهو ممسك بسلاحه ويدافع عن أرضه، فى الوقت الذى يقاتل فيه هو على عتبات الاستوديوهات من أجل الفوز بمساحة كلامية ليقول فيها «بؤين» حلوين.
اتفضل يا سيدى، رجّع فى وشنا «البؤين» بتوعك!
إن هذا المشهد يعبر عن حجم الضحالة التى يعوم فيها المجتمع، ضحالة لا يمكن أن تحتمل، هذا المشهد يحتاج إلى إعادة صياغة، إحلال وتجديد، تفكيك وتركيب.
جو الركاكة والسوقية واللا مبالاة الذى اصاب الشرائح العليا فى المجتمع (منسق الائتلاف «ابو بؤين» هذا محسوب على صفوة المجتمع، مع الأسف مع الألم!) هذا الجو عامر بالفصام، والازدواجية.
«أبو بؤين» لم يكن حالة فردية، بل هو نموذج، حالة رائجة، استطيع أن أعد لكم الآن قوائم من الصفوة (فى كل المجالات) تنتهج هذا النهج، تردد مفردات عن الوطنية والوطن، وفى داخلها مآرب أخرى من هذا الترديد.
لقد امتهنت المفردات النبيلة!
«الوطن» و«الوطنية» و«مصر» هذه المفردات يدفع الكثير من أبنائنا دماءهم وارواحهم ثمنا من أجل صونها، فى حين يراها البعض للأسف «بؤين» يجب أن يقالا. الوطنية، والوطن، والخوف على البلد، لا يكيلوا بالـ«بؤين» يا سيادة المنسق. لقد كشفك وافتضح أمرك المغص الدماغى الذى أصابك، لم تر الدماء على الأرض ولم تراع سيرة الشهداء، كل الذى شغلك هو قول «بؤين» أعلم أنهما لن يرفعا مقامك، ولن يسندا الوطن، ولن ينفعا الناس. أمثالك لا يملكون من أمرهم سوى «بؤين».. لقد تحفظت على ذكر اسم منسق الائتلاف طواعية، لإيمانى أن «أبو بؤين» ليس حالة فردية، بل هو نموذج لابد أن نبحث عنه ونحترس منه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف