لم يحدث أن دلَلَ الغرب دولة فى العالم العربى مثلما يفعل اليوم مع دولة قطر، سلوك غربى كان حكراً على إسرائيل، وإسرائيل فقط. ما قبل الأزمة القطرية كانت شبهةُ دعم الإرهاب كفيلة بحشد الجيوش الغربية، وإرسال حاملات الطائرات، والصواريخ المجنحة التى تدمر ولا تبقى ولا تذر، يكفى أن نتذكر أن أمريكا ضربت مصنع الشفاء فى السودان 1988 لأن صاحبه كان صديقاً لأسامة بن لادن. ومع انكشاف حقيقة قطر ودعمها الدولى للإرهاب، وتمويلها العابر للقارات لمنظمات وأفراد فجَّروا وقتلوا فى كل مكان فى العالم، بل إن مقتل نائب السفير الأمريكى فى بنغازى 2012 كان بتمويل قطرى وعلى أيدى جماعات تدعمها قطر وبوساطة من خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة الفاشلة كل ذلك والغرب يغض الطرف، ويتجاهل دماء أبنائه التى من أجل قطرة منها كانت تدمر دول عربية كاملة واقع غريب يخالف منطق الأحداث، ويعاكس تقاليد الغرب فى التعامل مع العرب، ويجعل من قطر شقيقة صغرى لإسرائيل تشاركها الحنان والعطف والاهتمام والرعاية الغربية التى تجعل ثلاثة من وزراء خارجية أكبر دول غربية يهرولون إلى دول الخليج العربى لاستعطافهم للتعامل مع قطر برقة وحنو يليق بالطفلة المدللة الشقيقة الصغرى لإسرائيل.
لعشرات السنين يبرر لنا الغرب أنه يحمى إسرائيل لأنها واحة للديمقراطية وسط صحراء النظم السلطوية العربية، وأنها نموذج للحداثة الغربية، وللقيم الغربية فى الحرية والعدالة وحكم القانون واحترام حقوق الإنسانة مبررات تسوقها الدول الغربية لإقناع شعوبها وتبرير انحيازها غير الأخلاقى للكيان الصهيونى المغتصب للأرض؛ الذى يمارس أسوأ نظم التفرقة العنصرية، وأكثر الممارسات الاستعمارية وحشية بعد انتهاء الاستعمار الظاهر بأكثر من نصف قرن.إذا كانت هذه المبررات تساق لتبرير الانحياز لإسرائيل بغض النظر عن صحة المبررات؛ فماهى مبررات تدليل قطر ومعاملتها بنفس المستوى مع إسرائيل؟ وإيه الحكاية بالضبط؟
أصل الحكاية سمعتها من صديق ليبى كان يعمل صحفيا فى واشنطون فى المكتب الإعلامى الكويتى قبل 1996، ومن ذلك التاريخ وحتى 2000 كان يعمل مع جهاز المخابرات القطرى، وبعدها مستشارا سياسياً فى الديوان الأميرى القطرى، والآن يعمل عضوا فى المجلس الرئاسى الليبي، بعد أن كان عضواً فى المؤتمر الوطنى العام عن مدينة بنغازي، فى جلسة خاصة فى بيت المعارض الليبى النبيل المرحوم حسن الأشهب فى ضواحى واشنطون العاصمة سنة 1997، حكى قصة انقلاب الشيخ حمد على أبيه 1995، حيث كان الشيخ حمد بن خليفه يخشى من تدخل المملكة العربية السعودية التى تحافظ على تقاليد تمنع حدوث انقلابات فى دول الخليج، فطلب المساعدة من الشيخ حمد بن جاسم الذى رتب الأمر كاملا مع لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الإيباك AIPAC)، وهى جماعة الضغط الأكبر والأكثر تأثيراً فى الولايات المتحدة. زارها حمد بن جاسم قبل حدوث الانقلاب وطلب منها أن تتدخل لدى الإدارة الأمريكية لضمان نجاح الانقلاب، وعدم تدخل السعودية؛ مقابل أن يكون النظام القطرى الجديد فى خدمة إسرائيل فى أى شيء تقرره الإيباك، وكان الرد أن أمريكا ستكون أول من يعترف بالتغيير فى قطر وكان ما كان. وتحولت قطر إلى جزء من منظومة المؤسسات الصهيونية الكبرى فى العالم: السياسية والمالية والإعلامية، فكان إنشاء الجزيرة واستقدام معظم العاملين فى محطة البى بى سى البريطانية بتعاون كامل مع بريطانيا، وتم افتتاح أول تمثيل دبلوماسى إسرائيلى فى جزيرة العرب وأصبحت قطر فى قلب المنظومة الصهيونية العالمية التى تمتد من الهيمنة على النظام المالى العالمى من خلال عائلات روتشيلد وركفلر التى تملك البنك المركزى الأمريكي، إلى الكيان الصهيونى فى قلب العالم العربي.
دولة قطر أو إسرائيل الصغرى جزء لا يتجزأ من النظام الغربى السياسى والاقتصادى والمخابراتى، منظومة متكاملة تمثل قطر فيها الذراع التنفيذية التى لا تستحيي، ولا تحترم أى قواعد للقانون الدولي، لان قطر ترى نفسها دولة فضائية أو دولة افتراضية، تفعل ما تشاء دون ذرة حياء، تناضل من أجل الديمقراطية وتمكين الشعوب، وهى الدولة التى ينتقل الحكم فيها بالانقلابات والغدر والقتل والنفي، تدعو لحماية حقوق الإنسان وتسجن شاعرا شعبيا 15 سنة عقوبة لنظم قصيدة لم يسمعها أحد خارج قطر. تدعو لرفاهة الشعوب، وتدمر شعبها تدميراً كاملا، يكفى أن نعرف أن حكومة قطر أصرت على أن تبنى الملاعب والمستشفيات فى قلب مدينة الدوحة القديمة على أنقاض بيوت أهلها، طردتهم من بيوتهم وعوضتهم بمبلغ مغر من المال من أجل تفكيك الروابط الاجتماعية، وإجبار المواطنين على التفرق والتشتت بين الوافدين. تدافع عن الإسلام ويعلن مدير مؤسسة راند الأمريكية- التى كانت تتولى إعادة هيكلة نظم التعليم القطرية - فى مؤتمر فى جامعة جورج تاون فى عام 2005 كنت حاضراً فيه، أن مؤسسة راند نجحت فى تحرير مناهج اللغة العربية فى قطر من القرآن الكريم، بحيث لا يكون للقرآن الكريم أى وجود فى كل مناهج اللغة العربية، وبعدها قابلت من أعد المنهج فى بيته الفخيم فى أحد ضواحى واشنطون العاصمة وأكد لى أنه تلقى هذا الأمر من السيدة الأولي.
يتداعى لدعم قطر تركيا وهى الصبى الصغير للحلف الأطلسى الذى تعود أن يقوم بالمهام القذرة مقابل المنافع الاقتصادية التى حقق بها أردوغان نجاحاته الداخلية، فمرة يدمر سوريا، وأخرى يتاجر باللاجئين، والآن يتدخل فى قطر لمصلحة أسياده فى حلف الأطلسى الذين لا يريدون أن يخسروا علاقاتهم مع دول الخليج العربي، ولأنه يقوم بدور البلطجى شكلا ومضمونا، ثم إيران الحليف الأمين للغرب، والمكلف بمهمة إفشال العالم العربى وتشتيت شعوبه وإرباك دوله وتفكيكها، إيران التى فتح لها أوباما الأرصدة المجمدة فى نفس توقيت ثورات الربيع العربى المشئوم، وقبل توقيع الاتفاق النووى بخمس سنوات، فمنذ يناير 2011، وحتى يونيو 2015 قامت أمريكا بتحويل 700 مليون دولار شهرياً، تم تحويل هذه الأموال نقدا بعيدا عن النظام النقدى العالمي، ولذلك انخرطت إيران مبكرا فى الثورات العربية، فكانت مجموعات من إيران وحزب الله وحماس فى ميادين القاهرة فى يناير 2011، جاءوا من الجار الجنوبى الغادر.
فى ضوء هذا لابد من التحرك السريع لمنع إسرائيل الصغرى من القيام بمزيد من التدمير والقتل فقد تسارع إرهابها بعد مقاطعتها، ولنستحضر المبدأ الصعيدى «الأرض ما تشربش الدم» فلا مفر من الثأر.