برنامج تفكيك وإعادة تركيب وتلوين الصور والرسوم المسمى بـ"الفوتوشوب"، أى ورشة التصوير، صنعته العبقرية الغربية ليكون إضافة إبداعية للمصورين الفوتوجرافيين والرسامين، ولم يبدعه عقل الخواجة فى بداية الأمر من أجل استخدامه سياسيا فى محاولات دائمة لتزييف الحقائق، بل لكى يستخدمه التشكيليون فى خلق نوع جميل من الفنون الجديدة، يمكنك أن تطلق عليه مطمئنا "التزوير الإبداعى".
رسامو القصص المصورة، على سبيل المثال لا الحصر، يستخدمون الفوتوشوب لأنه يمنحهم الفرصة لرسم عناصر قصصهم منفردة كخطوط خارجية فقط Out lines وإدخالها بعد ذلك إلى أجهزة الكمبيوتر الشخصية باستخدام الماسحات الضوئية، التى تسمح لهم بالاحتفاظ بها فى ملفات رقمية، بما يتيح لهم تركيبها وإدماجها فى كادرات، وإعادة استخدامها مستقبلاً لمرات عديدة بعد تكبيرها أو تصغيرها وتغيير ألوانها ودمجها مع عناصر أخرى فى قصص جديدة من بطولة نفس الشخصيات.
هذا نوع واحد من استخدامات الفوتوشوب المشروعة، ولكن بمرور الوقت تم استخدامه للأسف فى مجتمعات كثيرة بائسة، تقع مجتمعاتنا العربية فى موقع الصدارة منها، للنصب على العقول لتحقيق أهداف سياسية رخيصة بفبركة صور مضروبة تفتقر إلى الإتقان فى كثير من الأحيان.
الرسامون والمصورون المحترفون يمكن لهم بسهولة أن يكتشفوا التزوير فى الصور الفوتوجرافية التى يتم فبركتها بالفوتوشوب لأسباب كثيرة منها: اختلاف النسب بين مفردات الصورة عن حقيقتها فى الواقع، اختفاء الظلال أو اختلال اتجاهاتها وعدم توافقها مع مصادر الإضاءة، القص واللصق السيئ لبعض العناصر، الذى يطلق عليه المحترفون "التسليك الردىء"، لأنه يفضح فك ذلك العنصر من صورة لإدماجه فى صورة أخرى.
هناك فوتوشوب كوميدى، يمكن اعتباره نوعا من الكاريكاتور العصرى، يعتمد على إعادة تركيب الشخصيات العامة لوضعها فى مواقف جديدة ساخرة يستخدمها خصومها لإثارة الضحك منها. هذا النوع بالتحديد برع فيه المصريون بعد ثورة يناير، وتم استخدامه كسلاح سياسى سواء بالحق، أو بالباطل فى كثير من الأحيان. فقد استخدمه الثوار السلميون للسخرية من الديكتاتور وفضح الإجرام الذى ترتكبه السلطة الغاشمة لقمعهم، واستخدمته الثورة المضادة كذلك لتشويه بعض الشخصيات المناضلة التى تخشى من قدرتها على التوعية وتحريك الرأى العام، لكى تكسر كاريزمتها وتوقف تكاثر التفاف البسطاء من حولها.
بعض الطوائف تصنع عن نفسها صورة جميلة زائفة بالفوتوشوب يقدمونها للآخرين، تظهر فى التحيز الذى يجعلك تنسب لحضارتك إنجازات حضارات أخرى عاصرتها، وتنسج حولها صورة أسطورية مثالية طوباوية عاشتها فى بداياتها المبكرة، رغم فداحة الثمن الذى ارتوت به شجرتها من دماء الآخرين. الفوتوشوب أيضا يجعل البعض يرسمون لحضارات متقدمة بعيدة صورة تظهر فيها كل محاسنها فقط وتخفى عيوبها التى لا ينكرها المنصفون ممن ينتمون لها.
للأسف تهتز صورة الحقيقة فى العيون، وتنهار ثقة الناس فى كثير مما يشاهدونه على مواقع التواصل، عندما تدمن الفرق السياسية المتناحرة استخدام صور ضحايا الحروب والصراعات الطائفية فى كل مكان بالعالم، وإعادة تركيبها لفبركة مذابح مصطنعة تدين خصومها. الفاشيون والطائفيون على وجه التحديد هم أكثر الناس استخدامًا لذلك السلاح الردىء.
كل شىء فى الدنيا يصلح أن يكون سلاحًا ذا حدين يمكن استخدامه لمساعدة الخير أو لمواجهة الشر، وكما يمكن استخدام الفوتوشوب ببراعة فى رسوم الأطفال البريئة يمكن استخدامه ببراعة أيضا لطعن البراءة ذاتها فى مقتل.
عندما يصبح الفوتوشوب أسلوبًا لإدارة الخلافات السياسية، والتعبير عن مركبات النقص الحضارية فى المجتمعات البائسة تتحول حياة الناس فيها يومًا بعد يوم إلى فوتوشوب.