مؤمن الهباء
شهادة .. نحتاج آليات منضبطة
مع كل زيادة في أسعار الوقود يكون رد الفعل الأول والسريع منعكسا علي أسعار وسائل النقل. نقل الركاب والخضار والفاكهة. ثم أسعار باقي السلع والخدمات. هذا أمر صار معلوما بالضرورة بسبب التكرار والتلازم. وفي كل مرة تزيد فيها الأسعار تتعهد الحكومة بمراقبة الأسواق حتي لاتكون هناك مبالغة في استغلال المواطن واستنزافه. ويتطلع المواطن بعين الشغف لهذه المراقبة لكنه لا يجدها.
من خلال التجربة عرفنا وعرفت الحكومة أن أية زيادة في أسعار الوقود تجر وراءها زيادة غير محسوبة وغير محدودة في أسعار النقل وأسعار كل السلع. زيادة لا ضابط لها ولا رابط. وتتعلق أنظار الناس بالتصريحات التي تطلقها الحكومة تباعا عن تشديد الرقابة علي الأسواق لضمان عدم استغلال التجار للزيادة الجديدة في أسعار الوقود. وتكثيف الحملات الرقابية علي وسائل النقل لضبط أية مخالفات تتعلق بزيادة تعريفة النقل المقررة منعا لاستغلال المواطنين. والتصدي لمظاهر الجشع والمغالاة. ولكن ما إن يدخل المواطن في أي تعامل مع التجار أو السائقين حتي يكتشف أن كلام الحكومة الجميل بلا متابعة ولا رقابة. والأمور تسير بعشوائية تامة بعيدا عن عين الحكومة.
وقد نقلت "المساء" علي مدي الأيام الماضية صورا عديدة لتجاوز سائقي الميكروباص والتاكسي في تقدير تعريفة الركوب ومشاجراتهم مع الركاب المعترضين علي استغلالهم للموقف. ورصدت ألاعيبهم لزيادة الأجرة أضعافا مضاعفة في غياب الرقابة والمحاسبة. وبعض هؤلاء السائقين يتبجح في مواجهة ركابه : اسألوا الحكومة وحاسبوها.
وما فعله السائقون فعله التجار في الأسواق الكبيرة والأسواق الشعبية فيما يتعلق برفع الأسعار في غياب منظومة المراقبة الحكومية. وعندما يضج الناس بالشكوي يأتي الرد بإلقاء المسئولية الكاملة علي من رفع أسعار البنزين والسولار.
وتنشر الصحف تصريحات وزير التموين بشكل شبه يومي عن سعر أنبوبة الغاز بـ 35 جنيها و5 جنيهات مقابل توصيلها إلي المنزل. لكنها في ذات الوقت تنشر السعر الحقيقي الذي تباع به الأنبوبة في القري والمراكز في وضح النهار. والذي يتراوح بين 50 و70 جنيها. والسبب ـ مرة أخري ـ هو غياب أجهزة المراقبة الحكومية وآلياتها التي نسمع عنها ولانراها.
والشيء بالشيء يذكر. فقد أعلن وزير التموين من قبل عن زيادة أسعار الزيت التمويني والسكر منعا للتهريب. مؤكدا توافر الكميات التي تغطي احتياجات أصحاب البطاقات التموينية جميعا. وأن وزارته تقوم بمراقبة دقيقة لمنافذ صرف المخصصات التموينية حتي لا يتلاعب بها البقالون. وهذا كلام جميل. لكن الواقع يقول شيئا آخر. فالبقالون يشكون من عدم توافر السلع التموينية الاستراتيجية. ويدعون أن مخازنهم خاوية. والمواطنون يشكون من المعاناة اليومية في صرف المقررات بسبب سقوط "السيستم" بصفة مستمرة وبسبب عدم توافر المقررات.
وفي النهاية فإن المواطن يسدد فاتورة الإصلاح الاقتصادي أضعافا مضاعفة. يسددها رسميا للحكومة مرة. ويسددها مضطرا مرات للتجار والسائقين والسباكين والأطباء والمدرسين والحلاقين وكل من يؤدي له خدمة دون أن توفر له الحكومة أية حماية. بل دون أن تحصل الحكومة نفسها علي حق المجتمع مما يأخذه هؤلاء ظلما وعدوانا.
وحق المجتمع يحتاج آليات منضبطة وفعالة وقادرة. لكنه يحتاج قبل ذلك إرادة وعزيمة وخطة واضحة.