الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
ذكريات .. سبب قانون تأميم الصحافة
لا أدري ماذا تم في اجتماعات اللجان الوطنية للصحافة والإعلام.. ولكني اليوم أريد أن أروي قصة تأميم الصحافة. فقد عاصرتها في قلب الحدث!!
لقد كان فشل الوحدة مع سوريا أكبر وأضخم ما واجه عبدالناصر الذي كان يحلم بوحدة عربية حقيقية.. فبعد إنشاء محطة "صوت العرب" التي كانت المحطة المفضلة عند كل الشعوب العربية وانقلاب العراق ومقتل الأسرة المالكة ونوري السعيد. وإعلان الجمهورية العراقية برئاسة من يطالب بالوحدة أيضاً.. وكانت اليمن في الطريق.. في قمة الأخبار المبشرة.. والطريق المفتوح واقتراب الحلم من التحقيق وتباشير شروق شمس الوحدة العربية.. في هذه اللحظات الفريدة.. ثم إعلان انفصال سوريا.. في نفس الوقت اهتزت جمهورية العراق الوليدة وجاء قائد جديد له ميول غريبة اسمه "قاسم".. لدرجة أن عبدالناصر قطع الإذاعة ليدلي بخطاب سريع ومهم سمي فيه قاسم قائلاً: "وتحرك الغرب المعادي ليقسم العراق.. وجاء من يسمي ب"قاسم العراق"".
* * *
في ظل هذه الظروف الصعبة التي مرت بمصر بدأت فكرة التأميم.. من أجل أن تكون كل ما هو ضروري ملكاً للشعب.. هذه هي فلسفة. أو قل فكرة التأميم.. فشمل التأميم الصحف الموجودة في ذلك الوقت.. كانت جريدة "المصري" أكبر الصحف انتشاراً. قد تم غلقها دون تأميم. في أبريل 1954. قبل التأميم بثماني سنوات.. وتم تأميم جريدة اسمها "الأساس" رئيس تحريرها حافظ محمود. نقيب الصحفيين. كانت في مبني بشارع الشواربي. ولكن ما أن تلقت الجريدة قرار التأميم حتي أغلقت أبوابها.. فتم تأميم "الأهرام والأخبار وروز اليوسف ودار الهلال والتعاون. ومجلة زراعية كان يصدرها محمد صبيح. ودار المعارف".
* * *
هذا هو الموضوع الذي أريد أن أتحدث عنه اليوم..
سألوا عبدالناصر:
لماذا تأميم الصحافة. مادامت هناك أحكام عرفية ورقيب في كل صحيفة يقرأ الإعلانات قبل أن يقرأ المقالات؟!!
كان رأي عبدالناصر أن مجرد تأميم الصحف في هذا الوقت الذي تمر به البلاد أهم من تأميم المخابز. والمحال العامة.. فمصر كلها يجب أن تواجه كل قوي الشر صفاً واحداً.
.. وحينما أقول مصر.. أقصد الرأي العام الذي يمكن أن يتلاعب به الإعلام بمختلف صوره.
وروي عبدالناصر حكاية سمعها أيام سهراته في حديقة جريدة "المصري" التي سميت باسمه فيما بعد.. حكاية سبق أن كتبتها في إحدي الصحف.
الصحف ممكن أن تنشر ما تريد بالاتفاق مع الرقيب!!.. يوم حريق القاهرة قبل الثورة بعام.. أصدرت السراي الملكية بياناً اتهمت فيه فؤاد سراج الدين. وزير الداخلية بأنه سبب هذا الحريق. لأنه كان في الشهر العقاري يوثق بيع إحدي عماراته.. فذهب أحمد أبوالفتح رئيس تحرير "المصري" إلي فؤاد سراج الدين وأطلعه علي البيان الملكي. وطلب منه رداً علي هذا الكلام.. فقال له سراج الدين: "أنت مجنون.. الرقيب لن يوافق.. فقال أبوالفتح: نحن لنا سُبلنا مع الرقباء.. وبالفعل رد سراج الدين تم نشره بموافقة الرقيب. ونزلت الجريدة السوق وهي تحمل تكذيباً للسراي والملك.. سراج الدين لا يملك أساساً أي عمارة لكي يبيعها!!.. هذا الرقيب اسمه "بكر درويش" كان موظفاً في وزارة الداخلية قدم استقالته صباح اليوم التالي وعمل محرراً للحوادث في "المصري" ثم "الأهرام".
هذه هي قصة أو قل سبب تأميم الصحافة في هذا الوقت العصيب الذي مرت به مصر عقبل انفصال سوريا وضياع العراق واليمن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف