المصرى اليوم
نيوتن
مارتن لوثر مصرى
(عزيزى نيوتن،

في النصف الثانى من القرن الخامس عشر، كانت أوروبا كلها ترضخ تحت وطأة سلطة الكنيسة الكاثوليكية، في عصور عرفها العالم فيما بعد بعصور الظلام. وسط هذا الظلام الدامس ظهر مارتن لوثر. وقد نظر متأملا ما آلت إليه الكنيسة في تلك الأوقات من انحدار وقهر للناس، وكيف أخذت بتلابيب البشر إلى غياهب الحياة، خاصة أنه في تلك الأثناء كانت الدولة الرومانية تمر بأكثر فتراتها انحطاطا. وكانت تلك اللحظة المفصلية في تاريخ أوروبا، بل تاريخ العالم كله، لحظة بداية انقشاع الغمة وزوال الظلام.

وإذا كان هناك حد بين الليل والنهار، فهذه اللحظة كانت هي بداية شعاع النور على العالم الغربى. ظهر مارتن لوثر في هذه اللحظة غير راغب في زوال الكنيسة. أراد فقط إصلاحها من الداخل. وبدأ في وضع نقاط محددة وواضحة لتغيير مسار الكنيسة البائسة، لكى تواكب الحياة، وتنأى بنفسها عن الجمود الذي حتما كان سيؤدى بها إلى زوال، لأن سمة الحياة هي التطور، ولا أحد يستطيع تحدى الزمن وإلا كان مصيره الفناء. وطبعا من ضمن أسباب جمود الكنيسة، بل أقوى أسباب جمودها الهلع من أن تفقد سيطرتها على عقول البسطاء، وبالتالى تفقد القرابين وصكوك الغفران والأبهة، التي كانت الكنيسة تستنزف بموجبها الغلابة من عموم الشعب. ظل هذا الخطاب قائما لفترة من الزمان، ثم توالت عصور النهضة والتنوير، على أيدى فنانى ونحاتى عصر النهضة، ثم فلاسفة وكتاب وأدباء أوروبا العظماء في عصر التنوير.

ما سبق كان مقدمة ضرورية لما أريد قوله عن عصرنا الحالى.

تعالت الأصوات، بداية من الرئيس السيسى بلفظ «تجديد» الخطاب الدينى، ثم لفظ «تصويب» أو تصحيح الخطاب الدينى، وأخيرا صك نيوتن مصطلح «تنقية» الخطاب الدينى، وهى كلها إرهاصات مماثلة تقريبا لما جاء على يد مارتن لوثر، ثم جاء الكاتب إبراهيم عيسى بالصيحة الكبرى ألا وهى إصلاح المؤسسة الدينية «الأزهر».

نعود إلى أوروبا مرة أخرى: فبعد محاولات ومحاولات ودماء الملايين التي سالت لم يكن هناك بد من حل نهائى وشامل بدلا، من الكلمات الفضفاضة من إصلاح وتنقية وتجديد وما شابهه. ثم قامت أم الثورات وهى الثورة الفرنسية. على أثرها انتهى تأثير الكنيسة الفعلى على الحكم، وتحولت فرنسا، بل أوروبا كلها، إلى جمهوريات لا ممالك. إلى دول علمانية، ليس بالمعنى الدارج الإلحادى، ولكنه فصل تام وشامل للكنيسة عن الدولة والسياسات التي تنتهجها الدولة لصالح مواطنيها. ولم يكن الطريق مفروشا بالورود، فلقد كان هناك شد وجذب، إلى أن استقر الحكم العلمانى بمعناه الطبيعى، وهو فصل إدارة الدولة عن الكنيسة.

وللأسف، يبدو أننا لا نريد أن نتعلم. نريد أن نخترع كل شىء، أن نبدأ من جديد، بدلا من البدء من حيث انتهى الآخرون.

يا سادة، إن إبراهيم عيسى أو مارتن لوثر الشرق بدأ فقط برمى الحجر في المياه الراكدة. ويجب أن نعرف أين نحن من التاريخ الإنسانى في المجمل، نحن نمثل أوروبا في لحظة صيحة مارتن لوثر.

إن مصطلحات تجديد وإصلاح وتنقية لن تنفع، ولابد أن نستفيد من خبرات الآخرين، وإلا نلغى دراسة التاريخ من أساسه. سنضيع وقتنا وعمرنا ونعود إلى نقطة الصفر. ليس هناك حل سوى بالدولة العلمانية المدنية أردتم أم لم تريدوا.. فكفانا عبثا وإهدارا للوقت. ادخلوا في صلب الموضوع و«بلاش تخدير للناس». وعلى الله قصد السبيل.

من فضلك إذا أردت نشر المقالة لا تذكر اسمى).

ملحوظة: صاحب الرسالة مسلم
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف