جريدة روزاليوسف
وليد طوغان
نـُخبة «دهن الثعبان»!
فى الأجواء الملبدة تظهر الوجوه العكرة. صحفى مصرى على فضائية أوروبية وصف قطر بالتى تتصرف دون وعى.. صحفى آخر ألمح على فضائية ثانية إلى تخوفه من أثر استمرار قرارات المقاطعة على المصريين فى الدوحة.
فى جريدة مصرية يومية مستقلة كبرى، كتب اسم كبير، فى عمود كبير، فى الجورنال الكبير عن المشقة التى سيواجهها المصريون هناك، بعد تعليق رحلات الطيران من وإلى الدوحة!
كلهم خراصون لمازون.. أغلبهم هماز بنميم، عُتل بعد ذلك زنيم. قُتل الخراصون.
نفس «السحن» الصفراوية تظهر فى الأزمات، تتكلم كلاما ملفوفا، وراءه نيات ليست خالصة لوجه الله. كلامهم سم، وتلميحاتهم سم. لكن كان زمان. زمان كان ممكن لتلك الآراء إثارة البلبلة فى الشارع. زمان كان ممكن تصيب تلك الأفكار.. الأذهان والأنفس بالقيل والقال.
زمان كان الشارع يصدق. وجوها كثيرة كانت ترتدى ثوب البطولة والحكمة والوطنية، فتّصدر للناس كلاما ملتويا، تضع السم فى العسل، والشارع يشرب، ويتجشأ ويهضم أفخاخا فى مقالات الجرائد الكبرى، وعلى مواقع التواصل الاجتماعى.
لكن اللى فات مات. قل للزمان ارجع يا زمان. النهاردة الوعى أكبر، ورؤية الشارع أوسع.. احتمالات هضم كلام غير خالص النية لم تعد كبيرة.
على الفضائية الأوروبية، أراد الصحفى اياه تبرئة قطر من العمد وسبق الإصرار والترصد.. والتلبس وتعمد الإرهاب. المعنى الباطن وراء «الدوحة لا تدرى ما الذى تفعله» أن قطر فى حاجة لرعاية.. لا عقاب. المعنى «على المتغطى» أن المقاطعة قرار ليس فى محله.. وأن التسرع فى التعامل العربى- العربى ليس إلا بداية لتقلبات جديدة فى المنطقة.. لا نحن حملها.. ولا نحن «قدها».
هذا الكلام ليس صحيحا. فلا استمرار المقاطعة تّسُرع، ولا أزمة التنقل الجوى لمصريين من قطر للقاهرة هى البند الأهم. لا قطر بريئة، ولا الدوحة لا تعرف ما الذى تفعله. لا مصر تسرعت، ولا القاهرة انساقت وراء دول الخليج، كما غرد «مناضل معروف» على تويتر الأسبوع الماضى.
قطر متهمة منذ سنوات . قطر فى خطر، منذ أن دعت «المناضلين الثوريين» المصريين، إلى شاشاتها فهاجموا الدولة، وهاجموا المجلس العسكرى، وهاجموا المؤسسات المصرية، وسموا حرق المنشآت المصرية تغيير.. ثم دعوا للإخوان فى «فيرمونت».
قطر فى خطر بعدما تيقن الجميع أنها خطر على الجميع. على نفسها جنت براقش. الدوحة أيديها وأرجلها فى الوحل، منذ أن فتحت مجالها ودواوينها، لرؤوس الإخوان، فخرجوا من رابعة على فيلل الدوحة، وفضائيات الدوحة يتكلمون عن شرعية محمد مرسى.
الأزمة هذه المرة ليست كالمرات السابقة. الأدلة التى قدمتها القاهرة فاقت توقعات الخليج وتصوراته. مصادر سعودية تكلمت عن يقين بتورط الدوحة فى تمويل محاولة اغتيال بعض أعضاء الأسرة المالكة السعودية. دلائل أخرى تؤكد تمويل الدوحة لحزب الله ومنظمات أخرى مهمتها الإرهاب فى ليبيا ولبنان وسوريا. بعد المقاطعة ظهر قدر محاولات قطر «التهويل» من حيثيتها فى المنطقة.
قطر فى خطر الآن لأنها هى التى ليست حمل الهبة العربية ولا قدها. وهن قطر لا تدركه قطر. فعلت الدوحة كما فعل القط فى نكتة معروفة، أقنع نفسه أنه أسد.. أسد.. أسد.. حتى دخل عمدا كهف الأسود. تصوراتك عن نفسك، كثيرا ما تختلف عن الواقع.. وكثيرا ما تختلف عن الصورة فى أذهان الآخرين.
المقاطعة العربية تسير فى اتجاهات تصعيدية، لكن الملاحظة الأهم تظل فى كيفية تلقى «بقايا النخبة» تبعنا تداعيات المقاطعة. لم تكشف الإجراءات الأخيرة قطر، قطر مكشوفة منذ سنوات. لكن الذى كشفته المقاطعة.. هو بقايا «نُخب» مصرية على ما تفرج.
أستاذ علوم سياسية مصرى شاب، وصف سياسة قطر تجاه الدول العربية بـ«غير المتوازنة» على فضائية «بى بى سى» قبل يومين. لا يمكن تصور أن أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لا يعرف الفرق للآن، بين التحريض على الإرهاب، وبين السياسات «غير المتوازنة» للدول.
لو كانت الدوحة واحدة من الأزمات الإقليمية منذ سنوات.. فنخبة «دهن الثعبان» أكبر مشاكلنا الداخلية منذ عقود.
كله بيبان.. عليه الأمان!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف