فيتو
ابراهيم قويدر
الحقيقة الثـورية في الحرب الداعشية على الأرض الليبية
تعددت المسميات للمجموعات المقاتلة منذ بداية ثورة فبراير 2011 في ليبيا بدأت بالثوار ضد نظام معمر القذافي ثم كتائب الثوار ثم الدروع (درع1 درع2 وهكذا)، إلى جانب ذلك كانت تنمو تنظيمات أخرى بأسماء مختلفة منها أنصار الشريعة، كتائب المجاهدين، كتائب مسلحة ذات أيديولوجيات دينية مختلفة، فاختلطت الأمور، خاصة عندما توحدت هذه المسميات كلها في محاربة تكوين الدولة بجيشها وأجهزتها الأمنية، من هنا حدث تمازج في قاسم مشترك واحد أدى إلى توحدها بالكامل في معارك ضارية هدمت مقدرات البلاد وأزهقت الكثير من أرواح العباد.

في الجانب الآخــر غير العسكري، ظهر شباب ثورة فبراير في الأيام والأشهر الأولى بدون قيادة رغم تواجد العديد من أساتذة الجامعات ورجال القانون معهم، وتعددت أيضا مسمياتهم منها ائتلاف ثورة فبراير واتحاد ثوار فبراير وهيئة الدفاع عن الثورة، وغيرها، صاحبتها تنظيمات ذات توجه ديني مثل الجبهة الإسلامية وتنظيماتها المتفرعة وجماعة الإخوان وتنظيمهم الحزبي.

وتجدر الإشارة هنا إلى حقيقة مهمة وهي:
أن العديد من الشباب والمثقفين الذين انخرطوا في ثورة فبراير وساندوها من أجل التغيير إلى الأفضل والقضاء على كل ممارسات النظام السابق الظالم، كلهم- سواء من حمل السلاح منهم أو لم يحمله- لم يكن لهم أي هدف أو تخطيط للوصول إلى السلطة، ولكن كانت غايتهم بناء دولة المـؤسسات، دولة العدل والمساواة، الدولة المدنية التي يختار الشعب فيها ممثليه في السلطات التشريعية والتنفيذية، هؤلاء جميعا ابتعدوا عن الساحة منذ ما يسمي بيوم تحرير البلاد وبداية انتخابات المؤتمر الوطني العام، وهم الآن يقفون ضد كل الممارسات التي تحدث الآن في شرق وغرب وجنوب الوطن.

ومن أجل إيضاح الأمور، ولكي نستطيع أن نبني أسسا سليمة لإنشاء سلم اجتماعي حقيقي بين الليبيين جميعا، علينا أن نحاول الوقوف على مجموعة من الوقفات المهمة:
الوقفة الأولى:
أنه في غفلة، عما كان يجري من قبل مؤيدي التغيير في فبراير، كانت قوى التيارات الإسلامية المتشددة تنظم صفوفها وتعد عدتها مدنيا وعسكريا لتولي زمام السلطة في البلاد، وفي بداية الحراك هذا اتجهت إلى طريقين: الأولى اتباع الوسائل التي يقرها مؤيدو الثورة من إجراء انتخابات وإعلان دستوري والدخول فيها من أجل الفوز بمقاعد تمكنهم من السيطرة على مفاصل الحكم، وفي ذلك تحالفوا مع كل التوجهات الإسلامية الأخرى التي لم تتوان في مناصرتهم، وأيضا التستر على أفعالهم الإجرامية فيما بعد.

والطريقة الأخرى، هي المسلك العسكري بإنشاء نواة لمعسكراتهم في درنة وبنغازي وصبراتة والزاوية ومصراتة وطرابلس وسرت واستطاعت بدعم داخلي وخارجي أن تكون مجموعات مقاتلة متشددة.

الوقفة الثانية:
أن الشباب المقاتل- الذين كانوا يطلقون عليهم «الثوار»- نتيجة لقلة معرفتهم وإدراكهم وفقدانهم للانتماء الواضح للوطن انجرفوا مع قياداتهم نحو الشعور بحقهم في حكم البلاد بعد أن حرروها كما يعتقدون، وبالتالي تحولوا من ثوار- نظر إليهم الناس على أنهم شباب ليبيا النبلاء الذين سيخلصونها من الظلم والاستبداد- ووقعوا في المحظور وهو أنهم مارسوا الاستبداد بمفهوم الحفاظ على الثورة ومبادئها.

وهنا وجد فيهم دهاقنة السياسة الإخوانية الإسلامية والقاعدة وأنصار القذافي لقمة سائغة ودُمى جاهزة لتحريكها كما يشاءون، هذا ما حدث للعديد منهم، والقلة هي التي نأت بنفسها وانسحبت.

الوقفة الثالثة:
أن معظم التنظيمات المدنية والسياسية التي برزت بعد ثورة 17 فبراير من تحالف وطني لإخوان لأحزاب ومسميات متعددة كان- للأسف الشديد- هدفها السلطة والتحكم، بل والانفراد بالحكم والتسلط على هذا الشعب ونهب خيراته.

فبرزت بعد انتخابات المؤتمر الوطني (مظاهر واضحة للعيان) هي أنه رغم قلة أعضاء المؤتمر الوطني من أنصار هذه التيارات المتشددة إلا أنهم استطاعوا بطرق ووسائل عديدة السيطرة عي مواقع حساسة منها وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والمخابرات العامة واستطاعوا أيضًا تكليف شخصيات متعاطفة معهم ومع تياراتهم في مواقع مهمة مالية واقتصادية ورقابية في الدولة بتستر من قبل التيار الإخواني وغيرة من التيارات الإسلامية.

الوقفة الرابعة: وهي وقفة تحليلية مهمة:
أنه عبر التاريخ يعتبر المقاتلون المنتصرون أنفسهم أصحاب حق في المكان الذي انتصروا فيه، فهو ملكهم ومن انهزموا هم سبايا يفعلون فيهم ما يشأون، وهذا الشعور النفسي تولد في النفس البشرية منذ القدم ولم تهذبه إلا الأديان السماوية والعفو، وكذلك هذبته المواثيق الدولية والتطور الثقافي والحضاري في دول العالم المتطور التي تحترم حقوق الإنسان.

وفي ليبيا برزت هذه الظاهرة منذ تشكيل المؤتمر الوطني والحكومة، حيث بدأ المقاتلون (الثوار) يسألون: "ونحنا خرجنا من المولد بلا حمص"؟!

هذه حقيقة يجب الانتباه إليها حتى الآن في حرب مجموعات الجيش شرقًا وغربًا ضد هؤلاء، وسنبدأ في مواجهة طموحات بعض قيادات هذه المجموعات في شعورهم الخاطئ بحقهم في حكم البلاد مثل ما يقال الآن بنغازي لنا إحنا اللى حررناها.

الوقفة الخامسة:
أن الدعم الخارجي الذي تحصلت عليه هذه المجموعات بمظلة الثورة في البداية ثم علنًا بمسمي تنظيماتهم الإرهابية، كانت مصادره الأساسية من الليبيين في الخارج، ومنهم مجموعة قليلة تملك المال الوفير من أنصار القذافي، ولا أقول أنصار النظام السابق؛ لأن أنصار النظام السابق منهم الكثير والعديد في الخارج ويسعون للصلح والعودة، ولكن هذه الفئة هدفها الانتقام للزعيم الأوحد من بنغازي وكل المدن الليبية التي أسهمت بوقفتها بإسقاط زعيمهم وولي نعمتـــهم والذي من خير الوطن أعطاهم المال الذي سخروه لهدم الوطن وضربه، وحتما هؤلاء تحالفوا مع التنظيمات المتشددة لتحقيق غرض الانتقام، والتي كشف العالم الآن عمن وراءها.

هــذه الوقفات تجعلنا أمام حقائق مهمة:
الحقيقة الأولى:
أن الشباب الذين أخطأوا في انجرارهم بالتحالف مع التنظيمات المتشددة في محاربة أبناء وطنهم، آو حاربوا ضد الشباب الثائر مع كتائب القذافي.. يجب أن نعي أنهم مساهمون في خراب ودمار البلاد؛ ولكن لا نحاسب أسرهم وإخوتهم وأولادهم بما فعلوه، وعلينا أن نعي أن هذه الأسر هي أسر ليبية ولها حق الحياة على الأرض الليبية، بل علينا أن نسعى إلى تضميد جراحهم وإعادتهم إلى حضن الوطن بالحسنى، والتكافل الاجتماعي وإعادتهم إلى ديارهم.

الحقيقة الثانية:
إن الذين يقاتلون باسم الجيش أو البنيان المرصوص أو أي مسمى رسمي آخر علينا أن نهتم بإخضاعهم لعمليات نفسية وبرامج اجتماعية تحد من غرورهم وتطاولهم على الآخرين من أبناء الوطن، خاصة وأنه بدأت تبرز بعض التجاوزات منهم ضد المواطنين، حتى طالت رجال الأمن، وبدون رادع قوي يوقف هذه التجاوزات سنعود إلى نقطة الصفر.

هذا التحليل وهذا الشرح حتما قد يكون غائبا عند بعض الشباب، وسردي هذا له عدة أسباب أهمها أن نفهم حقائق الأمور وأن نسعى إلى وحدة الصف وتجاوز المحنة والتسامح وأن لا نحمل الأسر أفعال بعض أفرادها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف