الجمهورية
امنية عادل
الأصليين .. الاحتماء بالماضي سبيل للحياة
يتطرق فيلم الأصليين إلي هذه الفكرة التي تطرق الباب كثيرا في العقود الأخيرة وتشغل بال الساسة والاقتصاديين وكل من يخشي علي مستقبل الكرة الأرضية ومصير الإنسان عليها وهي فكرة "ابتلاع التكنولوجيا والمادية لعالم الإنسان" الذي بات مجموعة من الموجات المتنقلة والتي تجمع من حوله الآخرين. تبدو فكرة الفيلم جيدة وجاذبة للمشاهد. لاسيما أن تلك الفكرة حاضرة بقوة في الوقت الحالي. ولكن معالجة الفكرة كما يقدمها الفيلم يفرغها كثيرا من محتواها ويجعل المشاهد مشتت في بعض الأحيان. سيناريو الفيلم لم يكن بقوة ونجاح العناصر الأخري المشتركة معه في صياغة الصورة الكاملة.
حيث اعتمد السيناريو "للكاتب أحمد مراد" علي استغلال الدلالات وعقدها في حلقات متسلسلة ليصل المشاهد في النهاية لتكوين صورة عن "سمير عليوه" بطل قصته وكيف أنه يعيش كالمسير في الحياة. لا يعرف معني للتجديد حتي طفولته التي أجبر عليها كما اتضح من مسار الأحداث. وشغفه "غير المفهوم" بجمع الجرائد القديمة. إلا أنه مجرد غرس وجوبي لاستخدامها في وقت من الاوقات بأحداث الفيلم.
رغم عمق الفكرة إلا أن المشاهد يشعر بالتعامل بسطحية شديدة في قراءه الشخصيات وأفعالها ولولا كفاءة باقي العناصر لواجه الفيلم منحنيات خطيرة خلال الساعتين التي شغلهما.
يحاول مراد من خلال فيلمه. توضيح أهمية الماضي واكتشاف الذات "المصرية" وانتشالها من ضياعها وسط الفرنجة والعولمة والتكنولوجيا التي لا تنتهي. وهي رسالة جل خطيرة وهامة. ولكن يصعب التعبير عن حضارة احترمت عقل الإنسان من خلال أسلوب خطابي غلب علي التكوين العام للحوار. فأغلب مشاهد شخصية "ثريا جلال" تعتمد علي الخطاب وهو ما يقلل من قيمة العمل بعض الشئ ويجعله كالمحاضرة التي تلقي من الأستاذ "المؤلف" إلي الجمهور "التلميذ".
رغم ركاكة السيناريو إلا أنه ظل حاضرا رغم تشتته وقلة أحداثه. حيث ساندته قوة العناصر الأخري. ولا ننكر متانة السيناريو في الربع الأول للفيلم. فيما فقد الفيلم من تلك النقطة حتي نهايته. فجائت الأحداث غير متسقة وغير منطقية في بعض الأحيان.
أما علي صعيد الصورة فقدمت صورة فيلم "الأصليين" جماليات خاصة أمتازت بها كاميرا المصور أحمد المرسي ورؤية المخرج مروان حامد. الذي تمتاز اختياراته رغم قلتها برؤية خاصة وجذب لجمهور السينما بصورة واضحة. منذ اللقطة الأولي والمشهد الأول نجد لقطات تنتمي إلي نمط التأمل المراقبة عن بعد وهي السمة الغالبة علي القصة والصورة التي تترجمها. فسمير عليوة الذي لا يعرف أي شئ في الحياة غير بيته وعمله وتسير حساته برتابة تنقلب فيما بعد رأسا علي عقب. بسبب مراقبة "مجموعة مجهولة" له وتزرع في عقله أن جميع من حوله مراقب مثله تماما.
نجحت صورة "أحمد المرسي" في رسم ملامح خاصة للفيلم وأبطاله أيضا. لاسيما مشهد "السوبر ماركت" وتلاحم الموسيقي الكلاسيكية مع فلسفة "التدجين" التي يدور الفرد في كنفها. واعتبره من أفضل مشاهد الفيلم علي الإطلاق. وصولا إلي مشاهد "سمير" في غرفة المراقبة. فيما ألحم مونتاج "أحمد حافظ" القصص المتداخلة خيوطها بسلالة واضحة انقذت الفيلم من الغرف في فخ الملل والتشتت الذي سببه السيناريو. أما عن أنجح عناصر العمل موسيقي "هشام نزيه". الذي تعاون مع الثنائي "حامد ومراد" في فيلم "الفيل الأزرق" حيث لعبت الموسيقي دور هام في تغليف القصة بملمح من ملامح التشويق والغموض.
فيما حضر التمثيل كنعصر هام. تألق به "ماجد الكدواني" الذي عاني منذ ظهوره مع الدور الأول حتي حل به في النهاية وقدم شخصية محبكة الأداء وإن كانت فارغة بعض الشئ علي صعيد الكتابة. فيما قدمت "كنده علوش" دور جديد رغم قلة مشاهدة إلا أنه يوضح ملكاتها كممثلة استطاعت تجسيد نمط من السيدات في واقعنا. فيما ظهرت "منه شلبي" بأداء هادئ يلتحف بملامحها الجميلة أكثر من انفعالات "الممثلة" التي بداخلها. ولا نعتبر أن دور خالد الصاوي هو أفضل ما قدمه إلا أنه دور سنح له الفرصة لتقديم ملمح من أدائه التمثيلي امتاز بالكوميديا الخفيفة المعتمدة علي الموقف.
الأصليين. اسم ملفت لفيلم ظهر بصورة براقة وقدم فيلما يمكن مشاهدته والتمتع بالصورة المقمة رغم فراغ المعالجة إلا أنه في النهاية يظل فيلم قدم صورة قل ما ما نجدها مؤخرا في سينماتنا المصرية المعاصرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف