الأهرام
أحمد يوسف أحمد
هذا الشعب العظيم وجيشه البطل
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يثبت فيها أبطال مصر فى قواتها المسلحة أنهم خير حماة للوطن، فالتاريخ العسكرى لمصر حافل منذ طرد الهكسوس وحتى إنجاز أكتوبر فى سلسلة من المعارك التاريخية التى لم تكن مصر تدافع فيها عن نفسها فحسب ،وإنما عن أمتها العربية جمعاء، وليس أحمد منسى وزملاؤه الذين استشهدوا معه فى معركة رفح الأخيرة ظواهر متفردة وإنما هم حلقة فى سلسلة الأمجاد التى صنعها ويصنعها حماة الوطن والتى ستبقى حاضرة فى ذاكرته ووجدان أبنائه كما هى حال الذكرى الخالدة لرجال من أمثال عبد المنعم رياض وإبراهيم الرفاعى وغيرهما الآلاف بل عشرات الآلاف.

وقد سبق أن كتبت على هذه الصفحة أن الأداء البطولى الخارق للقوات المسلحة المصرية هو الذى انتشلنى وجيلى من صدمة هزيمة يونيو 1967 وما تبعها من انكسار ويأس وإحباط كاد يعصف بكياننا، فقد فاجأنا أبطالنا بعد أيام من الهزيمة بقتال بطولى فى رأس العش نجحوا بموجبه فى الاحتفاظ بها بعيداً عن الأيدى الإسرائيلية رغم الفارق الهائل فى الإمكانات والعدد، ثم عادوا ففجروا المفاجأة الثانية بغارات الطيران المصرى على مواقع إسرائيلية فى سيناء المحتلة فى الشهر التالى للهزيمة مباشرة، وقبل مرور خمسة أشهر على الهزيمة كان عمالقة البحار المصريون قد أغرقوا المدمرة «إيلات» أكبر قطع البحرية الإسرائيلية.

ليس الغرض من هذه الكلمات الإشادة ببطولات أبنائنا فى القوات المسلحة فهى لاتحتاج أى شهادات جديدة، ولكنى اخترت الكتابة فى هذا الموضوع لكى أتحدث عن تقدير الشعب المصرى العظيم لجيشه تماماً كما يفعل مع كل من يشعر بأنهم يعطون الوطن بلا حدود، ومازلت أذكر تلك الأفلام التسجيلية التى حوت لقطات مصورة عن استقبال الشعب المصرى قواته العائدة من فلسطين استقبال الأبطال رغم انتصار إسرائيل فى الحرب لكنه الضمير الجمعى المصرى الذى أحس باستبسال قواته وبصفة خاصة فى حصار «الفلوجة» رغم ما كان يحيط بها من معوقات بسبب الأوضاع الداخلية السائدة فى مصر آنذاك، وفى العدوان الثلاثى 1956 التحم الشعب بجيشه دفاعاً عن الوطن فى بور سعيد الباسلة وخاضا معاً أشرف المعارك التى دوخت المعتدين حتى اكتمل انسحابهم من أرض الوطن.

وربما تكون هزيمة 1967 أمام العدوان الإسرائيلى فى تلك السنة هى الوحيدة التى هزت ثقة الشعب فى قواته المسلحة، واستغل العملاء هذا المناخ كى يروجوا لموجة من السخرية من أبنائها سرعان ما تم صدها سواء بموقف حاسم من جمال عبد الناصر فى أول خطاب علنى بعد الهزيمة بمناسبة الاحتفال بعيد ثورة 23 يوليو، أو بالأداء البطولى لتلك القوات بعد أيام من وقوع العدوان بحيث تأكد للكافة أن الهزيمة كانت للقيادات وليس للضباط ، ثم أتت حربا الاستنزاف وأكتوبر لتضيفا إلى أمجاد الجيش المصرى بطولات خارقة جديدة شهدت عمليات جسورة بلغت ذروتها بحرب أكتوبر ذاتها التى سرت روحها فى وجدان الشعب المصرى فاستعاد الثقة فى نفسه بعد أن رأى عدوه الذى «لا يُقهر» وقد أصبح فى قبضة أبطاله لكى تتحقق أمنية الشهيد عبد المنعم رياض الذى تمنى على الرئيس جمال عبد الناصر ألا يقبل أى حل سياسى لتحرير سيناء دون قتال، لأن الروح المصرية لن تعود إلا بمعركة تغسل آثار هزيمة 1967 .

وفى العملية الإرهابية الأخيرة التف الشعب حول أبطاله قبل أن يسمع أى شىء أو يسأل عن أى تفاصيل لأنه واع بسجل هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم ووطنهم فلم يبخلوا عليه بشىء حتى الحياة ذاتها، وعم الحزن والشعور بالاعتزاز الجميع وكان لافتاً ذلك الموقف الوطنى الأصيل النبيل الذى تبنته قطاعات شبابية معارضة لنظام الحكم بالتعبير عن غضبها من رعاة الإرهاب واعتزازها ببطولة إخوانهم من المقاتلين وهو ما يؤكد وحدة الشعب المصرى العظيم بغض النظر عن أية اختلافات سياسية، لكن المغردين خارج السرب مع ذلك أبوا إلا أن يثبتوا حضورهم الباهت الذى يشير إما إلى خلل عقلى أو عمالة لعناصر لا تريد الخير لهذا الوطن، ومن المؤكد أن وطنية الجيش المصرى ودوره تغضب كل من يريد سوءا بمصر، ولذلك فإنهم يفعلون المستحيل للنيل منه بالادعاء بضعفه وقلة حيلته وسوء تدريبه كما فعلت قناة «الجزيرة» يوماً بانتاج فيلم متهافت أسمته بـ«العساكر» حاول إظهار الجيش المصرى فى أسوأ صورة ممكنة بينما وضعه قبل كتابة هذا المقال بيوم واحد من أرقى مراكز البحوث العسكرية فى العالم فى المرتبة العاشرة بين جيوش ما يزيد على مائة دولة . تحتاج سيرة الجيش المصرى وبطولات شهدائه أن تبقى حية فى الذاكرة الوطنية المصرية، فلا تكفى رعاية أسرهم والحرص على تلبية احتياجاتهم وإنما يجب أن يعرف أبناؤنا ما فعله هؤلاء سواء فى الكتب الدراسية أو الأعمال الفنية الجادة، وأحلم على سبيل المثال بيوم يأتى نشهد فيه فيلماً جاداً عن معركة من هذه المعارك التى كتبت تاريخاً مشرفاً لمصر أو شهيد من شهداء مصر العظام كالبطل عبد المنعم رياض وغيره من هذه السلسلة الطويلة من الأبطال, الذين لم يبخلوا على وطنهم بالحياة ذاتها، وللأسف فإن المناخ السائد لا يشجع هذه النوعية من الأعمال ولذلك فإن عودة دور الدولة فى هذا الصدد تبقى واجبة من أجل الدفاع عن تاريخنا وتنشئة أجيالنا الجديدة على المعانى السامية التى يقدمها لنا هؤلاء الأبطال فى كل يوم كى يكتسب الجسد الوطنى مناعة نحتاجها من أجل مواجهة هذه التحديات الصعبة
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف