الأهرام
جمال عبد الجواد
ليسوا إخوانا
سياسة قطر الخارجية مليئة بالألغاز، وعلاقة قطر مع الإخوان هى أحد هذه الألغاز. دعمت قطر تنظيم الإخوان فى كل مكان وُجد فيه التنظيم، وإن كانت اهتمت بشكل خاص بدعم الإخوان فى مصر وفلسطين. العلاقة الوثيقة بين قطر والإخوان دعت البعض من السياسيين والمحللين لاعتبار النسب الأيديولوجى سببا فى هذه العلاقة المريبة، فاتهموا حكام قطر بأنهم من الإخوان، وبنوا تحليلاتهم وسياسات بلادهم على أساس أن القرابة الأيديولوجية هى السبب وراء الدعم القوى الذى يتلقاه الإخوان من الدوحة. أختلف تماما مع هذا الرأي، فبقدر تهافت العقيدة الإخوانية، فإن السلطة والاستعلاء والثأر والرغبة فى التسيد، وليس أى نوع من العقيدة السياسية أو الدينية، هى الدوافع التى تشكل سلوك قطر السياسي.

حكام قطر يقدمون للإخوان دعما كبيرا ماليا وسياسيا وإعلاميا، لكن باستثناء هذا الدعم فإنه لا يوجد أى دليل آخر على إخوانية حكام الدوحة. لا تقديم الدعم من جانب الدوحة، ولا قبوله من جانب الإخوان يدل على القرابة الأيديولوجية بين الطرفين. لقد تلقى الإخوان دعما من كثير من الأطراف التى لا يمكن وصفها بالإخوانية. فى ثلاثينيات القرن العشرين قدمت بريطانيا الأموال للإخوان عبر شركة قناة السويس التى كانت مملوكة لبريطانيا فى ذلك الوقت. فى سنوات ما سمى الربيع العربى قدم الأمريكيون دعما كبيرا للإخوان، والمؤكد أنه لا البريطانيين ولا الأمريكيين فعلوا ذلك بدوافع أيديولوجية. أما بالنسبة للإخوان فإنهم كانوا مستعدين دائما لقبول المساعدة من أى طرف يعرضها عليهم، فالجماعة فى هذا المجال تميزت بدرجة عالية جدا من المرونة وعدم الجمود، الذى يصل إلى حد الانتهازية.

خلال الثمانين عاما الفاصلة بين الدعم البريطانى للإخوان والدعم الأمريكى لهم، تلقى الإخوان دعما من أطراف عديدة غير إخوانية. عقب الصدام الذى حدث بين الإخوان ونظام الرئيس جمال عبد الناصر، رحل عدد كبير من الإخوان عن مصر، وكان لعبد الناصر الكثير من الخصوم الذين كانوا مستعدين لتلقف الإخوان، وتوظيفهم فى الصراع ضد ناصر.

الإخوان وقطر طرفان انتهازيان، وجد كل منهما فى الآخر رصيدا وأداة يمكن استخدامها لتحقيق أهدافه، بغض النظر عن التوافق الفكرى والأيديولوجى بينهما. فالإخوان وجدوا فى قطر مصدرا للدعم المالى، ومنصة إعلامية نادرة، ونصيرا مستعدا للترويج للإخوان واعتدالهم المزعوم فى أنحاء العالم، خاصة فى بلاد الغرب.أما حكام قطر فقد وجدوا فى الإخوان جماعة منظمة لها فروعها فى كل البلاد العربية، وبلاد كثيرة غير عربية، ولها قيادة موحدة مسموعة الكلمة، بحيث أن اتفاقا واحدا يعقده حكام قطر مع قيادة الإخوان، خاصة مع قيادتهم فى مصر، يتحول تلقائيا إلى أوامر يلتزم بها الآلاف من أتباع الجماعة فى كل مكان. فالإخوان بتنظيمهم المنتشر وفروا لقطر ما تفتقر إليه من بشر وكوادر سياسية ودينية تحتاجها لاختراق المجتمعات والدول الأخرى.

الإخوان هم أداة قطر الاستراتيجية لاختراق المنطقة، لكن هذه الأداة لم تكن أبدا الأداة الوحيدة فى يد القطريين. أقام حكام قطر علاقات تعاون مع كل ألوان الطيف السياسى المعارض فى المنطقة، غير أن العلاقة مع أى من هؤلاء لم ترق أبدا إلى مستوى الشراكة المتينة التى أقامها حكام قطر مع الإخوان. وظف حكام قطر المعارضات اليسارية والليبرالية لإضفاء مسحة من التحرر والتقدمية اللطيفة على السياسة القطرية. استخدم القطريون الجماعات الإسلامية الإرهابية عندما كان المطلوب «كسر رقبة» الخصوم بخشونة. وبينما كانت العلاقة مع الإخوان استراتيجية، ونوعا من الصفقة الكبري، أو تجارة الجملة، فإن علاقة قطر مع جماعات الإسلام الإرهابية كانت علاقة تبادل منافع تكتيكية، ونوعا من التجارة بالتجزئة، طبقا لمبدأ «لكل حالة حساباتها، ولكل معروف ثمنه» فتنوعت أشكال الخدمات المتبادلة من بث رسائل أسامة بن لادن على قناة الجزيرة، إلى إطلاق سراح رهائن مختطفين لدى الإرهابيين فى العراق، إلى تعزيز وجود قطر فى سوريا من خلال جبهة النصرة.

«بالمال يمكنك شراء أى شىء» هذه هى القاعدة البسيطة الحاكمة للسياسة القطرية. لقد اشترى المال لحكام قطر رياضيين يفوزون بميداليات أوليمبية، وقناة تليفزيون تخلت عنها هيئة الإذاعة البريطانية، واشتروا فرصة لتنظيم نهائيات كأس العالم للكرة. تصور حكام قطر أنهم يستطيعون بأموالهم شراء أى شىء يحتاجونه لاستكمال مشروعهم التوسعى، فتصوروا أن بإمكانهم شراء بلاد بكاملها تعوض ضيق مساحة بلادهم، وشعوب تعوض نقص السكان عندهم، وحركة سياسية يزيد أتباعها على عدد سكان بلدهم، وظنوا أنهم يستطيعون بأموالهم استئجار أيديولوجياالإخوان لتصبح راية تغنيهم عن امتلاك راية تخصهم. لقد اشترى حكام قطر الإخوان بالضبط كما اشتروا ناطحة سحاب الإمبايرستيت فى نيويورك، ومحلات هارودز فى بريطانيا، ليضيفوها إلى قائمة الاستثمارات التى تعود عليهم بالمزيد من الأرباح.

انهار مشروع قطر السياسى لأنه لا يوجد أى شىء أصيل فى هذا المشروع، فالمشروع كله مجرد تلفيق لعناصر متناقضة، بما فى ذلك أيديولوجيا وتنظيم الإخوان، الذى لم يكن بالنسبة لحكام قطر سوى أداة ومطية، ولم يكن أبدا لهم عقيدة أو فكرة يؤمنون بها ويضحون من أجلها. سيكتب التاريخ عن الشيخ حمد أنه الحاكم القطرى الذى قدم أكبر دعم لجماعات إرهابية ترفع رايات إسلامية، وأنه أكبر حاكم قطرى فتح بلاده أمام قوى العولمة والتغريب الثقافى، ابتداء بتصفيات كأس العالم لكرة القدم، وانتهاء بتأسيس أوركسترا قطر الفيلهارمونى وتعليم الفتيات رقص الباليه. وسيكتب التاريخ أيضا أن الأمير حمد هو الحاكم القطرى الذى عقد تحالفا وثيقا مع الإخوان، وأنه أيضا أول حاكم قطرى يسمح بتداول المشروبات الروحية فى فنادق قطر. كل هذه الأشياء المتناقضة حاول أمراء قطر جمعها فى سلة واحدة، لكن سلة قطر كانت أصغر من أن تحتمل كل هذه التناقضات، فكان لا مفر من الانهيار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف