الأهرام
محمد ابو الفضل
3 دروس أمريكية من الأزمة القطرية
مخطئ من يتصور أن هناك تحولات جذرية تحدث فى سياسات الإدارة الأمريكية الحالية، أو أن الرئيس دونالد ترامب جاء ليمضى عكس الاتجاه الذى سار عليه سلفه باراك أوباما، فكل رئيس له تصورات وتوجهات وممارسات تلتقى فى النهاية مع من سبقوه فى نواح عدة.

ربما يوجد تباين فى بعض القضايا يختلف من إدارة لأخري، جمهورية أو ديمقراطية، غير أن الحصيلة تلتف حول الحرص على المصلحة الأمريكية، لأن الدولة تعمل وفقا لنمط مؤسساتى لا يسمح بالاختراق أو تغيير الرؤى الإستراتيجية، ولكل رئيس هامش حركة يوحى لكثيرين أن ثمة تغيرا حقيقيا فى السياسات.

الرئيس الحالى ترامب بدا خلال الحملة الانتخابية كأنه يقود انقلابا على أوباما، عندما قدم رؤية جديدة لعدد من القضايا المحلية والإقليمية والدولية، ثم انخفض سقف التوقعات بعد أن أمسك بزمام الأمور فعليا فى نهاية يناير الماضي، فاطلاعه على المعلومات الكاملة للقضايا أثر على تقديراته السابقة، وبعد مضى نحو ستة أشهر من رئاسته رسخ فى وجدان دوائر سياسية أن الرجل لا يختلف كثيرا عمن سبقوه فى التعامل مع قضايا عديدة فى منطقة الشرق الأوسط.

المؤشرات التى ظهرت فى النظر إلى القضية الفلسطينية، كانت واحدة من العلامات التى تؤكد النتيجة السابقة، وكشف تعامله مع الأزمة فى كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن، أنه لم ينحرف عن تصرفات أوباما، وحتى الطريقة التى يدير بها ترامب الملف الإيرانى تؤدى إلى نتيجة متقاربة، وكلماته القاسية ووعيده وتهديده لطهران لا يعنى أن الأخيرة سوف تتلقى صفعات قوية، فهى تملك من الأدوات ما يساعدها على كبح جماح واشنطن، التى قد تجد نفسها مضطرة للتفاوض معها سرا فى بعض القضايا.

الموقف الأمريكى من قطر يمثل دلالة أشد وضوحا، فمنذ بداية الأزمة شعر كثيرون أن هناك ارتباكا فى إدارة ترامب، حسمه الرئيس الأمريكى فى إحدى تغريداته على تويتر، ووجه اتهاما صريحا أدان الدوحة بدعم الإرهاب، بعدها قيل إنه ينحاز لموقف الدول الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، بينما تتصرف وزارة الخارجية تحت قيادة ريكس تيلرسون بنعومة كنوع من توزيع الأدوار.

النتيجة التى وصلت إليها جولة تيلرسون فى المنطقة وقادته لكل من الكويت والدوحة يوم وجدة، أكدت أن توزيع الأدوار يعكس سياسة أمريكية ثابتة ولا ينطوى على خلاف فى جسم إدارة ترامب، فتيلرسون وقع تفاهما سريعا مع الدوحة الثلاثاء يقضى بمكافحة الإرهاب وتتبع تمويله، وهو من البنود الرئيسية التى طالبت بها الدول الأربع.

اجتماعه مع وزراء خارجية الدول الأربع فى جدة أمس الأربعاء، أكد رغبة واشنطن فى فتح ثغرة جديدة للتسوية السياسية للأزمة القطرية، ومحاولة ثنى الدول المقاطعة عن الاتجاه نحو مزيد من التصعيد، وهو ما استشفه البعض من البيان الختامى الذى صدر عن اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع بالقاهرة فى 5 يوليو، فالبيان بدت فقراته هادئة، وتردد أن المكالمة التى أجراها ترامب مع الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الاجتماع قدمت تطمينات ووعدت بحل الأزمة بما يؤدى إلى تنفيذ المطالب العربية.

على مدار أسبوع لم تتغير درجة الحرارة التى تتعامل بها أطراف الأزمة، لكن بدأت الإدارة الأمريكية تسعى إلى خفضها تدريجيا، بصورة توحى أن الوساطة التى بدأها تيلرسون يمكن أن تقود لنتيجة مرضية، تطفئ النيران الملتهبة فى المنطقة، والتى ربما يؤدى استمرارها إلى امتداد شراراتها إلى الجسد الأمريكى نفسه.

كل طرف فهم قواعد اللعبة جيدا وأين تقف واشنطن وماذا تريد؟ قطر استعانت بخدمات جون أشكروفت وزير العدل الأمريكى الأسبق الذى أكد أن الدوحة تصرفت بإيجابية مع التنظيمات المتطرفة، رعاية ودعما وتمويلا، تحت سمع وبصر إدارات أمريكية عدة طوال السنوات الماضية، وكانت الرسالة أن استهداف الدوحة يقود إلى الكشف عن أسرار أمريكية، تحدث عنها كثيرون همسا أو تخمينا واليوم يمكن أن تتحول إلى حقائق دامغة.

رد الدول الأربع على الدوحة وواشنطن كان أشد ضراوة، وجاء من خلال التسريبات التى أذاعتها محطة سى إن إن، وكشفت انتهاك قطر لاتفاق الرياض الموقع عام 2013 وتم استكماله فى العام التالى، واشتمل على غالبية البنود الـ 13 التى قدمت للكويت لحل الأزمة ورفضتها قطر مؤخرا، وقيمة الوثائق تكمن فى أن الدوحة قبلت بما ترفضه اليوم، وهو ما يفضح تناقضات ومزايدات قطر السياسية.

الولايات المتحدة وجدت أن الأزمة، التى تصورت أنها سوف تجنى من ورائها ثمارا، سياسية وأمنية واقتصادية، يمكن أن تحشرها فى مربع صعب، يكبدها خسائر كبيرة فى وقت لا يزال الرئيس ترامب يلملم أوراقه المكشوفة فى منطقة الشرق الأوسط، لذلك سارع تيلوسون إلى عقد صفقة عاجلة مع الدوحة على أمل أن يضمن لها خروجا مقبولا من الأزمة، وهو ما يقدم لنا ثلاثة دروس رئيسية.

الأول: تورط الولايات المتحدة فى دعم تنظيمات متطرفة على مدار السنوات الماضية، يمثل أحد العوائق المحورية لتقديم تصور شامل لمكافحة الإرهاب فى العالم، وأن قطر (أو غيرها) كانت تنفذ تعليمات أمريكية، ولعل الاستعانة بخدمات حمد بن جاسم وزير خارجية قطر الأسبق لمحاولة تبييض وجه الدوحة الآن، يؤكد أنه مهندس سياسة التعاون والتنسيق مع واشنطن وحامل أسرارها، وجر الأخيرة إلى قلب الأزمة هو الباب الوحيد لإنقاذ رقبة النظام الحاكم فى قطر.

الثاني: المخرج الآمن الذى تضمنته مذكرة تيلرسون مع الدوحة يفتح الطريق أمام عدم محاسبة الدول الراعية للإرهاب، ويؤثر على مصداقية التوجهات الأمريكية فى هذا الفضاء، ويمنح التنظيمات المتطرفة فرصة للهروب إلى الأمام، ويعزز القناعات بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الاستثمار فى التيار الإسلامي.

الثالث: عدم رغبة الرئيس ترامب فتح ملفات قديمة تؤدى إلى توريط إدارات سابقة أو الانتقام منها، فهناك مسئولون أمريكيون فى أماكن مختلفة ساهموا فى الرسم والتخطيط والتنفيذ يعملون فى عهد ترامب، وأن الرغبة الشخصية فى فضح أخطاء أوباما تعنى التأثير سلبيا على المصالح العليا للولايات المتحدة، بالتالى من الصعب الرهان على حدوث تغيير كبير فى توجهات ترامب، وهو يتصرف فى بدايات توليه السلطة كأنه بطة عرجاء فى نهايتها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف