المساء
مؤمن الهباء
تجربة إنسانية
كثيراً ما يختصني صديقي الشاعر الكبير الدكتور عبدالحميد محمود بأحدث قصائده ربما لتوافق في الآراء أو في الذائقة الشعرية. يعتبرني ناقده الأول وليس الأهم طبعاً. في أية لحظة من الليل أو النهار يأتيني صوته من الإسكندرية عبر الهاتف يسألني عما أفعل وماذا يشغلني. وقبل أن أجيب يبادرني: اسمع القصيدة دي. واسمع القصيدة مرة ومرتين وثلاثاً. وندخل في نقاش وجدل ومتعة ذهنية محببة تنسيني ما كنت منشغلاً به من مشاغل الدنيا وهمومها. فالشعر يكفيني ويلهيني. ومنذ سنوات عديدة مضت صار تليفون الدكتور عبدالحميد محمود إدماناً. وصار جرسه كفيلاً برسم الابتسامة علي وجهي أينما كنت وكيفما كنت.
ورغم أن صديقي طبيب بارع ومشهور في تخصصه إلا أنني لا أكاد أتذكر كم مرة تكلمنا فيها عن الطب والمسائل الصحية مع ما لدينا من مشاكل في هذه الأمور. فقد أغنانا حديث الشعر عن أي حديث آخر.
يوم الثلاثاء الماضي جاءني تليفونه عصراً. وبعد التحية والسؤال قال: أسمع القصيدة دي. وسمعت واستمتعت ثم استأذنته في أن أنشرها في زاويتي "شهادة" حتي يستمتع القراء الأعزاء بها كما استمتعت. خاصة أنها تتحدث عن تجربة إنسانية شائعة. يمكن أن نمر بها جميعاً في هذا الزمن الصعب.
يقول الدكتور عبدالحميد محمود في قصيدته "بين طبع وتطبع":
كنت لا أحمل هماً للحياة
ما تحسست بيوم في جيوبي
فمعي قرش سيغنيني
ومعي ألف سيكفيني
وأنا أمشي علي الأرض عزيزاً
كغزال يتهادي دون خوف بالمروج
لست أخشي طلقة غدارة
من صائد يقتل للقتل
لأم ورضيع
أو أسوداً جائعات
ليس منها قاتل إلا لجوع
كنت لا أعرف بغضاً
أو أخاف الحاسدين
هكذا عشت ولكن
شيب الإحساس أهوال السنين
غيرتني..
فإذا بي أحس الأفعال والأموال
من بعد زمان كنت لا أحسب فيه
ليس طبعي
إنما في زمن الوحش
إذا عشت فكن وحشاً
لن تري في أي فعل أي صدق
فالمدي يزداد غشاً
أغزال عاشق كله حب ورقة
في الأماسي ربما ترديه طلقة
أم ذئاب مزقوا في الحب عرقه
إنه وقت التجني
حار في تفسيره إنس وجني
غائم عني السبيل
والحياري كالسكاري.. ضائعون
دون ماء في الصحاري أو دليل
بين طبع وتطبع
أوجع الروح.. وأوجع
ثورة في النفس هاجت
لست أدري هل ستمضي
أم سترجع؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف