الأهرام
د . أحمد عاطف
الكون المعدل وراثيا
من أجمل الأفلام التى شاهدتها مؤخرا فيلم «أوكجا» الذى عرض في مهرجان كان السينمائى الدولي الأخير، و هو من اخراج الكوري بونج جونج هو وانتاج خدمة نتفليكس الامريكية الشهيرة التى اصبحت مؤخرا حديث كل محبى السينما فى العالم. والسبب هو ضخها استثمارات ضخمة لانتاج افلام لا تعرض في دور العرض السينمائية انما تعرض مباشرة من خلال الانترنت. وكان مهرجان كان هو اخر ساحة للمواجهة ضد هذا التوجه التى تتبناه نتفليكس باعتبار السينما أحد جوانبها الرئيسية هو عرض الافلام للجمهور فى صالة سينما بشكل جماعى وليست المشاهدة الفردية على شاشة تليفون محمول او كمبيوتر منزلي. سبب اتجاه نتفليكس لضح الاستثمارات الضخمة هو نجاحها الكبير مما ينبئ عن تغيرات ضخمة فى عادات المشاهدة عند عموم المشاهدين فى العالم. أما فيلم «أوكجا» فهو يطرح هو الاخر قضيتين فى غاية الحداثة تشغلان بال الكثيرين فى عالم اليوم. و هما موضوعا الاغذية المعدلة وراثيا و الحيوانات المعدلة جينيا. يحكى الفيلم عن مراهقة اسمها ميجا تعيش حياة سعيدة عام 2017 بإحدى القرى الجبلية بكوريا الجنوبية مع جدها و خنزير ضخم اسمها أوكجا. نعرف قبلها ان سيدة امريكية اسمها ميراندا تمتلك شركة ضخمة للاغذية المعدلة وراثيا قررت قبل هذا التاريخ بعشر سنوات عمل مسابقة ضخمة بين المزارعين فى العالم لتربية خنزير معدل ، على ان تقيم مسابقة لافضل كائن منهم فى الذكرى العاشرة للمسابقة. المشكلة تبدو من أول لحظة ان الخنزير شكلها غريب وضخم بصورة غير معقولة، ونعرف فورا انه تم تهجينها مع فرس نهر عملاق. تبدو العلاقة الشديدة الانسانية بين اوكجا وميجا، وانهما صديقان متوافقان فى امور كثيرة بريئة وجميلة، وان هذا الكائن الاسطورى به مشاعر مرهفة ربما أكثر من بعض البشر، حتى انه يكاد يضحى بنفسه من أجل انقاذ ميجا من السقوط من الجبل. يأتى للقرية مندوبون من شركة ميراندو ليصوروا الخنزيز الضخم فى تقرير يعرض قبل المسابقة الضخمة التى ستقام فى نيويورك. و فى غمضة عين يأخذون الخنزير معهم للسفر، وتحاول الفتاة المراهقة ميجا اللحاق بهم ومنعهم من اختطاف صديقتها الحبيبة. وتبدأ مطاردة كوميدية لكن بها مصداقية كبيرة فى شوارع سول عاصمة كوريا الجنوبية، من أحلى المطاردات التى من الممكن ان تشاهدها بفيلم سينمائى. بين مندوبي الشركة و ميجا وجبهة الدفاع عن حقوق الحيوان التى تريد تحرير الخنزير المهجنة ميجا. جبهة تحرير الحيوانات تخبر ميجا عن خطتهم لوضع مسجل داخل جسم اوكجا ليسجل كل الانتهاكات التى تحدث في حق الحيوانات داخل شركة ميراندو. تنتشر فى العالم كله لقطات ميجا تبكى وتدافع عن صديقتها اوكجا ويتعاطف معها الملايين. فتضطر السيدة ميراندو الى ابتداع حيلة ذكية لتنجو من الفضيحة فتدعو ميجا لنيويورك لتقابل خنزيرتها المفضلة وقت المسابقة. لكن اوكجا يتم اقتيادها اولا للمعمل ليتم تلقيحها عنوة مع خنزير اخر واقتطاع من لحمها كتجربة لكونها ستصبح طعاما شهيا ام لا. تبدأ المسابقة و تأتى أوكجا معصوبة العينين متألمة ولا تتعرف على ميجا صديقتها بل وتكاد تؤذيها. تبذل المراهقة جهدها لكى تتواصل من اوكجا فتستعيد ذاكرتها. تحاول جبهة تحرير الحيوان تحرير اوكجا وميجا لكن يتم القبض عليهم رغم بث فيديو تعذيب اوكجا فى المعمل. يتم اقتياد اوكجا للمذبح لكى تذبح وتصبح طعاما لكن تلحق بها ميجا مرة اخري بعدما قطعت طريقها وسط الاف الخنازير العملاقة المستعدة للذبح فى مشهد مهيب ورائع. تظهر ميراندو و تصر على ذبح اوكجا لكنها تتراجع فقط عندما تعرض عليها الطفلة الجائزة الذهبية التى حصلت عليها كأفضل مربية خنزير مهجن عالميا. تعود اخيرا اوكجا مع صديقتها للقرية الكورية ويتم تحرير الجبهة ويبدأون حربهم من جديد ضد مهجنى الحيوانات ومعدلى الطعام وراثيا. وتستخدم هذه الكائنات فى الاختبارات الطبية والحيوية عندما يتعلق الامر بمقاومة الفيروسات. وتدعى شركات الهندسة الحيوية بأن تقنياتها مفيدة وجوهرية للغاية لإطعام دول العالم الثالث لكن الرأى العام العالمى والعلماء يرون فيها تأثيرا ضارا على صحة الانسان والبيئة. أما الطعام المعدل وراثيا فيتم انتاجه من الكائنات المعدلة جينيا ومن أهمها فول الصويا و الطماطم. وتلك هى قضية المستقبل ويحذر منها شرفاء العالم. هكذا السينما الحق تستكشف مستقبل الانسان فى اعمق قضاياه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف