الأهرام
عائشة عبد الغفار
سيمون فيل .. امرأة استثنائية
عرفت سيمون فيل أهم وجوه السياسة الفرنسية عام 1975 وانبهرت بها خلال إجرائى حديثا صحفيا معها بمقر وزارة الصحة الفرنسية عقب صدور قانونها الجرىء المناصر للإجهاض، وأطلعت أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل على هذه الخبطة الصحفية قبيل النشر، واهتم وقرأ بتركيز ليثنى على هذا العمل الصحفى وعلى شخصية سيمون فيل المرموقة.. ثم التقيت بها من خلال رئاستها للبرلمان الأوروبى بمناسبة زيارة الرئيس السادات للوكسمبورج لإلقاء خطاب تاريخى حول قضية السلام.. أحببت هذه الشخصية العظيمة لدفئها ومثاليتها واشعاعها الفكرى والحضارى والإنسانى، وتابعت مسيرتها عن قرب منذ أن اكتشف جيسكار ديستان المكاسب التى تستطيع فرنسا أن تجنيها منها، فى حين أعلن شيراك أنه هو الذى اختارها عضوة فى الحكومة الفرنسية... كان الرجلان يريدان وزيرة من العيار الثقيل، وبرهنت أنها تعدت آمالهما المشتركة وأصدرت القانون المناصر للإجهاض الذى كان محرما منذ عام 1920 وفتح أبواب أعنف معركة برلمانية عاشتها الجمهورية الخامسة، وواجهت «فيل» بصرامة الجناح اليمينى المحافظ، الذى كان يمثل بالنسبة لها الأغلبية التى تستند عليها الحكومة التى تنتمى لها... وتم التصويت على القانون بمساندة اليسار وعقب مناقشات تركت آثارها على المجتمع الفرنسى حتى الآن.

عقب هذا النجاح المدوى قام ديستان بمصاحبة وزيرته المبدعة إلى مقر التليفزيون الفرنسى لتهنئتها أمام الشاشة، فأجابت بتواضع: «ليس مناسبا أن نعلن الانتصار، لأن هذا القانون صدر من أجل معالجة مواقف خطيرة وإنسانية.».. وضاعفت المبادرات لمصلحة ذوى الاحتياجات الخاصة والسياسة الأسرية وإصلاح دراسات ومناهج الطب وترشيد مصاريف المستشفيات الخ.. وبعد أن مكثت فى الحكومة سبع سنوات بوزارة الصحة... تفرغت لعملية البناء الأوروبى كوسيلة وحيدة لتفادى العودة إلى الصراعات بين الاخوة الأوروبيين، لتنتخب بالاقتراع العام على القوائم القومية بعد أن اقترح عليها ديستان أن تتصدر قائمة الاتحاد الديمقراطى الفرنسى أى الحزب الرئاسى، ولتحقق نصرا على بقية الأحزاب الفرنسية الأخرى التى كان يترأسها ميتران وشيراك ومارشيه، وليودعها فاليرى ديستان على سلالم الإليزيه قبل توجهها إلى مقر عملها الجديد قائلا: «سوف نفتقد ابتسامتك».

لقد عبرت مؤخرا عن تحمسها لماكرون لجرأته وحداثته، وهى أيضا التى أعلنت عام 1988عندما انتخب ميتران: «ليس هناك معوقات مبدئية أن نحكم مع الاشتراكيين«.

لقد دخلت « فيل» فى تاريخ فرنسا من أوسع الأبواب، وماتت فى هدوء فى عامها التاسع والثمانين تاركة وراءها ذكرى سيدة ليبرالية وحرة آمنت بالحرية وبوحدة أوروبا وقادت معارك رائعة.. ولقد ودعتها فرنسا فى جنازة قومية مهيبة تصدرها الرئيس الشاب ماكرون.

وفى رأيى أن الإجماع الفرنسى والأوروبى والعالمى على فيل جاء من تاريخها المتفرد وتمسكها بالتقاليد الفرنسية مع مزجها بروح التجديد العصرية.

وليس غريبا أن تختار فرنسا فيادة وشعبا أن يتم دفنها بمقبرة العظماء، وأن ينقل زوجها أنطون فيل إلى جانبها فى ذلك الصرح العظيم أى فى «البنتيون»، مقبرة العظماء التى تتصدر وجهتها هذه الكلمات: «إلى رجال الوطن... فرنسا تعترف بالجميل»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف