الأهرام
د . رفعت السعيد
عن المجتمع المدنى (1-2) ــ محاولة للفهم
عرفت مصر الحديث عن المجتمع المدنى وبناء مؤسسات له منذ نهضتها الحديثة. فرفاعة الطهطاوى تكلم عن بناء «الرأى العمومي» الذى له سلطان قاهر على قلوب الحكام، وكانت هناك أيضا منظمات الطوائف وشيوخ الحرف وفتوات الحارات الذين يفرض بهم سكان حارة ما سطوتهم ومهابتهم على الحارات الأخري. ثم فى بداية ارهاصات الثورة العرابية بدأ جمال الأفغانى فى تأسيس ما سماه «محفل الشرق الماسوني» الذى ضم عددا من الاعيان والصحفيين المطالبين بقدر من الديمقراطية، وشكل الافغانى ما يشبه وزارة الظل فخصص لكل نظارة مسئولا من المحفل يتابع أنشطتها ويحدد رؤية المحفل فى دورها. كما تشكلت تحت اشراف عبد الله النديم (وفق بعض التقارير الأمنية) جماعة حملت اسمين ربما من أجل التمويه «جماعة مصر الفتاة» و«جماعة فتيان مصر» وقد اشتهرت بأن طبعت ووزعت كتيبا سريا فى عام 1879 بعنوان «لائحة إصلاح» (مكتوبا على غلافه انه طبع بمطبعة موريس المعروفة باسم المطبعة الفرنسوية بالإسكندرية) وفى دار المخطوطات قسم محافظ الداخلية عديد من الوثائق تشير إلى نشاط الجمعية ونقرأ فى إحداها «فثمة تحرك من جانب اهالى شبان قبض عليهم بتهمة تهييج الافكار وتختيم العرائض ويعملون فى جمعية تسمى «جمعية الفتيان» ووثيقة اخرى «تأسست بالإسكندرية جمعية شبان تقول إنها تسعى فى منافع الوطن العمومية وللنديم دخل فى تأسيسها وضمن أعضائها أولاد ناس من كبار الاسكندرية (دار المحفوظات محافظ الداخلية- محفظة 11- دوسيه 116) كما اسس النديم الجمعية الخيرية الاسلامية واقام لها مدرسة وفرقة تمثيلية، وكانت هناك الجمعية الخيرية القبطية. ثم كانت هناك جمعيات مسيحية اخرى «مثل جمعية الشبان المسيحية» وجمعية الكتاب المقدس و»جمعية السبع بنات» الطبية، وخلاصة الامر أن مصر عرفت اشكالا متعددة من منظمات المجتمع المدنى التى عاشت فى احضان الشعب وقدمت له خدمات تعليمية وصحية واجتماعية.. وتزايدت هذه الجمعيات والجماعات فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى وكان كثير منها يساريا ولعب دورا ثقافيا وسياسيا مهما.

<<<

وإذا رجعنا إلى فكرة المجتمع المدنى ونشأتها الاوروبية فيمكن القول إنها قامت أساسا على انهاء الزعم بأن الحكام إذ يحكمون ويتوارثون الحكم فهذه مسألة طبيعية لانهم يحكمون عبر التفويض الإلهي، مستندين فى اغلب الاحيان الى دعم الكنيسة وهكذا وفى احيان كثيرة كان تعبير «المجتمع المدني» يتخذ رمزا للنقيض للحكم الدينى او الحكم الطبيعى عبر التفويض الالهي. وهكذا بدأت حركة النهضة الاوروبية.. فعصر النهضة لم يكن فقط منطلقا لاستنهاض العقل والعلم وحرية إعمال العقل والبحث العلمى وحرية الاعتقاد والتمسك بالتسامح والليبرالية، وإنما كان يعنى فى الجوهر استنهاض قوى المجتمع المدنى فى تشكيل رأى عام يتحرك نحو قيام مجتمع ديمقراطى وإذ نحاول ان نسير عبر تطور فكرة المجتمع المدنى باحثين عن آباء هذه الفكرة، نجد أمامنا العديد.

توماس هوبز (1588ـ 1679) «المجتمع المدنى يعنى ذلك المجتمع السياسى المنظم فى شكل دولة يتنازل فيها الافراد عن حريتهم مقابل أن تقوم الحكومة بحماية مصالحهم وحقوقهم المتساوية.

جون لوك ( 1632 ـ 1704) «المجتمع المدنى هو ذلك المجتمع الذى يضمن لأفراده حقوقا متساوية كحق التصويت وحق الترشيح الذى يؤدى بنفسه إلى الغاء السلطة التى تزعم أنها قائمة على اساس التفويض الالهي.

جان جاك روسو «المجتمع المدنى هو مجتمع الارادة العامة أى سيادة الرأى العام. ويقول جان جاك روسو فى كتابه «العقد الاجتماعي» «إن المجتمع المدنى يستهدف وهو يتكون أن يستطيع المواطن أن يتذوق المبادئ الديمقراطية وأن يتحول بهذه المشاعر إلى فعل واقعي».

فريدريك هيجل : يقول إن المجتمع المدنى هو حلقة وسيطة بين الاسرة والقبيلة وبين الدولة بمعناها المعاصر. فهو يمثل النقلة الحاسمة بين المجتمع التقليدى القائم على روابط الاسرة والدم والقرابة وبين مجتمع جديد يقوم على أساس المواطنة فى دولة لها قانونها وآلياتها.

المدرسة الماركسية: ترى أن المجتمع المدنى هو حقل للصراع الطبقى الذى يؤسس الدولة ، فتغيير وسائل الانتاج يؤدى إلى تغيير علاقات الانتاج والعلاقات المتصارعة بين الرأسماليين وبين العمال- ومن ثم تنشأ جماعات ذات افكار وأيديولوجيات تعبر عن مصالح متناقضة ومتصارعة.

وهكذا كانت مؤسسات المجتمع المدنى فى الجوهر سبيلا لتشكيل رأى عام مدني- ديمقراطى يرفض الوصاية الكهنوتية. ونواصل لنتحدث عما نحن فيه وماذا يريدونه بنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف