التحرير
عمرو حسنى
مصطلحات الساحل
فى الأيام الأخيرة انتشرت على الإنترنت قائمة مصطلحات باللغة الإنجليزية كترجمة مصرية لأسماء مأكولات شعبية، أو تعبيرات محلية يخجل أبناء الأغنياء الجدد الذين يصطافون فى منتجعات الساحل الشمالى الفاخرة من استخدامها مع بقائها على حالها المصرى الأصيل. "جرين برجر"، أو الهامبرجر الأخضر، كان أحد تلك المصطلحات التى ابتدعها شاب متأمرك ليصف الطعمية، وأثارت عاصفة من السخرية على صفحات التواصل الاجتماعى. هذا الأمر ليس جديدا بالمناسبة، بل كثيرا ما كان يستخدمه من يسافرون للخارج، أو من يتعاملون مع الخواجات فى مجال السياحة، أو فى غيرها من المجالات، ويخترعون بعض الترجمات الطريفة لكى يساعدوهم على فهم أسماء الأطعمة المصرية وغيرها من الأشياء، بغرض تجنب توريطهم فى مشقة نطق كلمة تصعب عليهم مثل "ملوخية" على سبيل المثال، والتى اعتاد أبى رحمة الله عليه أن يفرنجها ويمنحها لقب "جرين سووب"، أى الحساء الأخضر، لا لكى يتبرأ منها، ولكن كدعابة لطيفة بريئة يستخدمها عندما يقدمها إلى صديق أجنبى يتناولها بحذر متوجسا من لزوجتها، فيضحك مداعبا قائلاً له: "فلتعتبرها شوربة خضراء يا رجل". فقط لكى يشجعه على تناولها. أما من يستخدمون تلك المصطلحات الجديدة فى هذه الأيام لنفورهم من حياة البسطاء، فليتهم ينفرون أيضا من تناول أطعمة الغلابة التى لا يفرنجونها هكذا إلا لأنهم يخجلون من أسمائها الأصلية، ويعتبرون أن تداولها على ألسنتهم يعد نوعا من التدنى الاجتماعى. فى نادى الجزيرة سمعت طفلاً يتناول الغداء مع أمه فى المطعم ويرفض تناول لقمة من الخبز البلدى قائلاً لها متباكيا بامتعاض: مش عايز "لوكال بريد يا مامى"، أى لا أريد خبزا شعبيا.

الطبقات الجديدة التى يفرنج أبناؤها التعبيرات المصرية ويعيدون استخدامها بلغة أجنبية لا يفعلون ذلك لأنهم لا يتحدثون العربية، ولكن لأن أهلهم يربونهم على ازدراء الطبقات الشعبية التى يخفون أنفسهم بعيدا عنها فى كومباوندات مغلقة لا يراها البسطاء من الداخل إلا فى مسلسلات رمضان، أو عندما يدخلونها للعمل كأجراء لدى أصحابها. المجتمعات المريضة بداء الطبقية البغيضة، التى لا تنمو وتستفحل إلا فى مناخ يفتقر إلى العدالة الاجتماعية، هى التى تمارس تلك التقليعات الرديئة. الأمريكيون الأسوياء من أبناء الطبقات الفاحشة الثراء لا يخترعون أسماء جديدة للمأكولات الشعبية المكسيكية البسيطة الشهيرة التى يعشقها البسطاء والأغنياء معا. لم أسمع أمريكيًّا غنيًّا يطلق اسمًا جديدًا على "التاكو" مثلاً. بل يظل "التاكو تاكو" على ألسنة الناس جميعهم فى لوس أنجلوس، وتظل "الفلافل فلافل" على ألسنة الناس جميعهم فى نيويورك. نفور الأغنياء من تناول مأكولات الطبقات الرقيقة الحال إلا بعد منحها أسماء جديدة، يشبه جريمة شراء الأغنياء المحرومين من الإنجاب أبناء الفقراء من العصابات التى تختطفهم، وتجريدهم من أسمائهم الشعبية، وإعادة تسميتهم، ودمجهم فى مجتمعاتهم الثرية، رغم احتقارهم لأهلهم البسطاء ونفورهم منهم. هل أبالغ؟ لا أظن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف