الوفد
علاء عريبى
رؤى .. يهودى فى مهرجان قرطاج
يبدو أننا لن نتخلص بسهولة من مفهوم وإحساس الكراهية الذى صك فى عصر الرئيس عبدالناصر، وطوره وقننه البعث العراقى والسورى فى عهد الرئيس السادات، ويبدو والله أعلم أن اليساريين العرب سيظلون قابضين على هذا المفهوم كالدجمة دون نظر أو مناقشة، مصرون على الخلط بين الديانة، والشعب، والدولة، والفكر الصهيونى، كل إسرائيلى صهيونى، وكل إسرائيلى يهودى، إذن كل يهودى صهيونى، وكل اليهود أعداء للعرب، وسواء كان اليهودى عربيا أو غربيا فسوف نلقيه فى البحر، ولا سلام ولا كلام ولا أمان.
العاصمة التونسية للأسف تشهد هذه الأيام واقعة تطبيع على قدر من السخافة، رفع رايتها كالعادة اليساريون والناصريون، والقوميون، والمناسبة دعوة وزارة الثقافة لفنان تونسى يهودى للمشاركة فى مهرجان قرطاح، الفنان اسمه ميشال بوجناح، سبق وهاجر فى الحادية عشرة من عمره مع أسرته إلى فرنسا، وعاش وتعلم وعمل، كان والده طبيبا من عائلة تونسية قديمة.
إدارة المهرجان خصصت لبوجناح يوم 19 القادم لعرض عمله الكوميدي «حياتى الحالمة» فى قاعة متحف قرطاج بالعاصمة التونسية، ونفدت جميع تذاكر العرض، اليساريون سمعوا بمشاركة بوجناح جن جنونهم، اجتمعوا وحرروا بيان استنكار، هاجموا فيه وزارة الثقافة، واتهموها بدعوة يهودى صهيونى، ورفع راية التطبيع مع الكيان الإسرائيلى المحتل، وطالبوا وزير الثقافة بإلغاء مشاركة العدو الصهيونى ممثلا فى ابن وطنهم لكونه يهودياً، ولم يكتف اليسار بذلك بل نظمت وقفات احتجاجية كان آخرها الخميس الماضى، وشارك فى الوقفة (حسب الصحف التونسية) أحزاب الجبهة الشعبية (ائتلاف لأحزاب يسارية وقومية/ 15 نائبا من أصل 217 فى البرلمان)، وحركة الشعب (قومية ناصرية 3 نواب)، والحزب الجمهورى (وسط/ نائب واحد)، والرابطة التونسية للتسامح (مستقلة)، وحركة النضال الوطنى (يسارية قومية)، والهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع (مستقلة).
وكالعادة هاجم اليساريون بوجناح التونسى اليهودى واتهموه بالعمالة والخيانة، ووصفوه بأنه «جندى من جنود الصهيونية العالمية والكيان الصهيونى فى المجالين السياسى والثقافي»، ودعوا الشعب التونسى إلى مقاطعة نشاطات وفعاليات التطبيع (مع إسرائيل)، والصمود فى وجه العصابات التى تعمل لمصلحة إسرائيل. وقد سبق وأجبرت نفس المجموعة وزارة الثقافة على منع مشاركة بوجناح ضمن فعاليات مهرجان الضحك سنة 2009.
على الجانب الآخر رفض بعض المثقفين، أغلبهم من الليبراليين والمستقلين، احتجاجات اليسار وتلويحه براية التطبيع، وتمسكوا بمشاركة ابن بلدهم فى فعاليات قرطاج، فلبوجناح مطلق الحرية فى التعبير عن آرائه السياسية، سواء كان مع الدولة الإسرائيلية أو ضدها، ولا يجب أن يعاقب على رأيه ولا على ديانته.
المشهد حتى أمس مازال مشتعلا، اليساريون يقفون أمام القاعات الحكومية برايات التطبيع، والليبراليون يكتفون بتصريحات حرية التعبير، من الذى ستكون له الغلبة؟، الله أعلم، هل سينتصر موروث الكراهية ويظل كل يهودى صهيونياً.. أم أن سنحاول الفصل بين الديانة وبين الفكر وبين الدولة؟، العلم عند الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف