في أول جلسة عقدها مجلس النواب عقب قرارات زيادة أسعار الوقود شن النواب هجوما صاخبا علي الحكومة حتي أولئك النواب الصامتون دائما انتابتهم نوبة الشجاعة وتقمصوا دور المعارضين واتهموا الحكومة بتعمد إهانتهم وإهانة مجلسهم الموقر لأنها اعتادت علي تجاهل إبلاغهم بقراراتها المفاجئة لرفع الأسعار وهي لا تدري انها بذلك تقوض شعبيتهم أمام الناخبين في دوائرهم وتقوض شعبيتها أيضاً.
وهناك من وصل في هجومه إلي حد مطالبة الحكومة بتقديم استقالتها بالكامل لإتاحة الفرصة لتشكيل حكومة جديدة تعمل بطرق وسياسات مختلفة لا ترهق المواطنين ولا تحرج المجلس لكن هناك في المقابل من ترفق في انتقاداته واكتفي بالتركيز علي مطالبة الحكومة بالجدية في فرض آليات للرقابة علي الأسواق وضبط الأسعار ولا تتركها للعشوائية وجشع التجار والعمل علي تعويض الفئات الأكثر تضررا من رفع أسعار البنزين والسولار مثل طلبة الجامعات والفلاحين وتدخل الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس مطالباً نواب كل محافظة بتشكيل لجان للرقابة علي الأسواق والتواصل مع السلطة التنفيذية المختصة بذلك.
من هذه الأصوات الهادئة المترفقة الدكتور أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية بالمجلس ورئيس جامعة الأزهر الأسبق الذي قال: "نحن مع الحكومة في كل إصلاح اقتصادي لكننا نختلف معها في الصدمات الكهربائية التي توجهها لمجلس النواب وللشعب الذي لم يعد يتحمل أي شيء علي الاطلاق ولذلك أطالب الحكومة بأن تقدم لنفسها دائما قبل اتخاذ مثل هذه القرارات.
عند هذه النقطة رفع المستشار عمر مروان وزير شئون المجالس النيابية يده طالباً الكلمة متسائلاً: كيف يذكر النائب ان الحكومة لم تقدم لنفسها وهي التي شكرها النواب قبل العيد رغم انها قالت في برنامجها انها سترشد الدعم وخصوصاً في المحروقات والكهرباء وزيادة في الايضاح قال المستشار مروان في لقاء موسع مع المحررين البرلمانيين الثلاثاء الماضي ان أعضاء مجلس النواب انتقدوا زيادة أسعار الوقود رغم موافقتهم علي بيان الحكومة الذي تضمن تلك الزيادات صراحة وحتي يؤكد للمحررين صدق ما يقول عرض فقرات مظللة من الصفحات الأولي لبيان الحكومة تشير إلي استكمال رفع الدعم عن الطاقة والمحروقات واتخاذ إجراءات مؤلمة للإصلاح الاقتصادي.
والآن علي من يقع اللوم؟
علي الحكومة التي كانت واضحة من البداية في سياسة رفع الدعم واتخاذ إجراءات مؤلمة أم علي النواب الذين لم يأخذوا الأمر علي محمل الجد في مناقشاتهم لبيان الحكومة وبعضهم جعل من جلسة المناقشة ساحة للمجاملة وإظهار خفة الظل حتي فوجئوا بقرارات رفع الأسعار.
وقديما علمونا ان السياسة الحقيقية للحكومة لا تظهر في الكلام الإنشائي المعسول وإنما في بيان الحكومة وبيان ميزانية الدولة فطريقة الإنفاق والمخصصات المالية هي التي تحدد بوضوح اتجاهات الحكومة وانحيازاتها هل هي مع الفقراء وتدعم الطبقات محدودة الدخل أم مع الأثرياء وأصحاب رءوس الأموال والمستوردين والمصدرين.
وعندما تزدحم قاعة البرلمان في جلسات مناقشة ميزانية الدولة بالنواب وتتحدث لغة الأرقام فاعلم ان هذا البرلمان لديه الوعي الكافي للحفاظ علي مصالح الشعب ولديه القدرة علي توجيه الحكومة ومراقبتها ومحاسبتها. أما حين تكون القاعة فارغة والنواب شبه نائمين فلا يحق لهم بعد ذلك أن يزايدوا ولا يلومون إلا أنفسهم.