محمد عبد العليم داوود
قانون الغاب.. سلاح ذو حدين
أخطر ما يمكن أن يهدد مستقبل هذا الوطن هو اللجوء إلى دولة الغاب وتغييب دولة القانون.. أيضا تغييب الرؤية السياسية و تصدير العصا الأمنية وعقليتها .. لقد عانت مصر كثيرًا ودفعت ثمنًا باهظًا بسبب هذه الرؤية . ربما لو عاد بنا التاريخ قليلا وجدنا أن سياسة الضرب في سويداء القلب لم يتبعها ولم يؤسسها إلا زكي بدر وزير الداخلية .. وأخرج مصر من دائرة الاستقرار والهدوء التي شهدتها مصر مع سياسة وزيري الداخلية في ذاك الوقت حسن أبو باشا واحمد رشدي 1982..1986.. وكانت مصر قد شهدت قبل ذلك أحداث 1981 التي استشهد فيها الرئيس محمد انور السادات واستهداف مديرية أمن اسيوط ووقوع شهداء من أبناء مصر الضباط والجنود تجاوز المائة..
بعد هذه الاحداث مباشرة تمت الإطاحة بالنبوي اسماعيل وزير داخلية المنصة وإلقاء القبض على المعارضين وصاحب مقولة سنأتي بالمعارضين من غرف نومهم وهم بلابيص.. رحل النبوي اسماعيل .. وتغيرت العقلية و تصدرت الرؤية السياسية وأهل الفكر والعلماء المشهد وكان ابرز هذه الاعمال ندوات الحوار التي أشرف عليها حلمي البلك تحت عنوان ندوة للرأي وكان يستضيف فيها الرأي والرأي الآخر وعلماء الدين والفكر والاجتماع بل وطرف آخر كان محسوبًا على طرف العنف. وكان لهذا الاتجاه آثار ايجابية واستقرار ساعد على ذلك ايمان أبو باشا وأحمد رشدي من خلفه على الاستقرار .. ومع وصول زكي بدر بعهده المشئوم .. على الفور بدأ في أعمال وتنفيذ استراتيجيته بالضرب في سويداء القلب .. وكأنه دق طبول الحرب باغتياله لعلاء محيي الدين في ذاك الوقت المتحدث الاعلامي باسم الجماعة الاسلامية..
وبدأ العنف الثأري ما بين ارهاب تم إيقاظه واستدعائه وبين رجال الشرطة. واستمر هذا الأمر طويلا. وكان زكي بدر يتخذ من رغبته في استمرارية هذا الامر غطاء الأعمال الفساد والاستيلاء على الأراضي في محافظات الدقهلية وكفر الشيخ .. وتصفية حساباته مع خصومه في المعارضة مثل الكاتب الراحل فارس المعارضة المصرية مصطفى شردي وزعيم المعارضة ممتاز نصار والمهندس ابراهيم شكري .. وحتى مع خصومه من زملائه في الوزراء حتى طاشت رصاص لسانه الزالف الى علية القوم ومن هنا أطيح به في 1990.. ولكن بعد أن جر مصر إلى بحر من الدماء..
وحتى مع وصول الوزير عبدالحليم موسى واصلت العملية الثأرية من قبل إرهاب تم إيقاظه واستدعاؤه مع الشرطة سنوات وعندما حاول عبدالحليم موسى اللجوء إلى حوار سري وتسرب حينها أن عبدالحليم موسى التقى عبود الزمر بعد نقله في سرية من السجن إلى مكتبه في وزارة الداخلية للبحث عن مراجعة للأفكار تمت الإطاحة فورًا بعبد الحليم موسى..
ولم يجرؤ خليفته حسن الألفي بعد ذلك في طرق هذا الباب حتى تمت إقالته في أعقاب أحداث الأقصر الارهابي .. ومع وصول حبيب العادلي إلى وزارة الداخلية وصلاح سلامة رئيس مباحث أمن الدولة تمت عملية المراجعات وكاد العنف والإرهاب أن ينتهيا تماما .. ومن هنا نصل إلى أن مقاومة الإرهاب أمنيا فقط هذا أمر غير كافٍ . فلابد من تحديد الهدف .. ومحاصرة الأزمة في نطاقها .. مع أهمية وضرورة استدعاء الرؤى الفكرية والسياسية والاعلامية الوطنية وأهل العلم .. ام دعاوى الجنون المطالبة بإحياء فكرة الضرب في سويداء القلب لزكي بدر أو التصفية الجسدية فهذا أمر خطير جدا .. أو الانتقام من أهالي المشتبه فيهم فهذه الأمور تزيد في الفجوة وتستدعي دعمًا جديدًا يصب في خانة الارهاب والعنف . وأيضا هي دعوة لدولة الغاب والتي تكون أقرب الى سياسة .. سلاح ذو حدين ...واذ كان مطلوبًا من الامن يقظته مع تحديد الهدف بدقة .. فإنه لابد ايضا من استدعاء رؤية سياسية وفكرية واجتماعية وإعلام يقدر المسئولية .. إن في دولة القانون ما يكفي للردع!