سماح صبرى
حقائق عن سياسة إلغاء دعم الطاقة
كثير من دول العالم تقدم دعمًا للمواطنين من خلال تخفيض سعر بيع سلعة ما محليًا مقارنة بتكلفتها الحقيقية أو سعر بيعها العالمي، وذلك لعدة أسباب. دول مثل الإمارات والسعودية والكويت وليبيا ونيجيريا تدعم الطاقة بمليارات الدولارات سنويًا، باعتبار أنها دول غنية بالنفط، ومن حق المواطنين أن ينعموا بثروات بلادهم. دول أخرى مثل الهند ومصر والمكسيك تنخفض فيها مستويات الأجور فتقدم الدعم حتى يستطيع المواطنون العمل والاستهلاك والإنتاج. هناك بيانات تشير إلى قيمة الدعم المقدم للوقود التقليدي في الدول النامية والناشئة بحوالي ٥٠٠ مليار دولار سنويًا. بعد الأزمة المالية العالمية سنة ٢٠٠٨، اجتمعت دول مجموعة العشرين G20 مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتقرر العمل على تشجيع الدول النامية لخفض الدعم المقدم للوقود الأحفوري (التقليدي) لسببين: ١- تقليل التلوث الناتج عن الانبعاث الحراري (حماية المناخ). ٢٢- توجيه صحيح للإنفاق الحكومي في الدول الناشئة واستخدام الموارد المالية لدعم الفقراء والطبقات الأكثر احتياجًا (للقضاء على الفقر المدقع). ويرى أصحاب هذا التوجه أن وقف دعم الوقود التقليدي سيقلل الاستهلاك، ويشجع على استخدام وسائل النقل العام والسيارات ذات الكفاءة فى استهلاك الوقود (السيارات الكهربائية مثلًا)، مما سيقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لحماية الأرض والبيئة من التلوث. بعد انخفاض السعر العالمي لبرميل النفط من ١٠٠ دولار فأكثر إلى ٤٠ دولارًا فأقل خلال الثلاث سنوات الماضية (٢٠١٤ - ٢٠١٧٧)، أصبح الأمر ملحًا أمام الدول المنتجة للنفط لخفض الدعم، وذلك لتقليل العبء عن الموازنات الحكومية. عُمان مثلا تخلصت تمامًا من تقديم الدعم للطاقة. الإمارات على وشك الانتهاء من تقديم الدعم للكهرباء. السعودية تنفق حوالي ٨٥ مليار دولار سنويًا على دعم الطاقة (أكثر من الإنفاق على التعليم)، وتسعى إلى تخفيضه. بينما دولة الكويت لم تستطع إجراء تخفيض للدعم بسبب الغضب الشعبي العارم الذي اجتاح البلد. وعند الحديث عن الدعم، جدير بالذكر أن نشير إلى كون تكلفة إنتاج برميل النفط تختلف من دولة إلى أخرى، وبالتالي لا يصح توحيد سعر بيع جالون البنزين على مستوى جميع دول العالم لاختلاف تكلفة مدخلات الإنتاج مثل أجور العمال والتكنولوجيا المستخدمة وإيجار المباني وخدمات النقل والشحن... إلخ. إضافة إلى اختلاف نوع البنزين المقدم ودرجة النقاوة (بنزين ٩٠ - ٩٢ - ٩٣ - ٩٥). والأهم مما سبق، لاختلاف متوسط الدخل اليومي أو متوسط الدخل الشهري للمواطنين من دولة إلى أخرى. فمثلا متوسط الدخل الشهري في مصر ١٦٥ دولارًا، وفي الجزائر ٢٩٣ دولارًا، بينما متوسط الدخل الشهري في الإمارات ٣٢٣٥ دولارًا، وفي الكويت ١٩٠٦ دولارات. من ناحية أخرى يبلغ متوسط الأجر اليومي في الولايات المتحدة الأمريكية نحو ١٥٦ دولارًا وفي سويسرا ٢١٣ دولارًا يوميًا. إذا لا يُعقل مقارنة أو طلب توحيد سعر بيع لتر البنزين في كل بلدان العالم حتى المتقدمة منها لاختلاف التكاليف والأجور.
حسب دراسات البنك الدولي وصندوق النقد فإن إلغاء الدعم للطاقة فيه حماية للفقراء، الذين يتحملون العبء الأكبر من العجز المالي للدولة. فالإنفاق الحكومي المستمر على الدعم سيحول دون استخدام إيرادات الدولة في أغراض التنمية أو تطوير البنية التحتية وتحسين خدمات الصحة والتعليم. وحسب رؤيتهما أيضًا فإن دعم الوقود یعود بفائدة أكبر علی الطبقة الغنیة وفوق المتوسطة (تستخدم أسر الأغنياء في البلدان منخفضة الدخل الوقود المدعوم بنسبة كبيرة مقارنة بالأسر الفقيرة، حيث اقتناء الأجهزة المنزلية المتطورة مثل التكييفات وغسالات الأطباق والديب فريزر أو كثرة عدد سيارات الأسرة الواحدة على سبيل المثال). وعلى الجانب الآخر، قدرت وكالة الطاقة العالمية الدعم المقدم للوقود الأحفوري حوالي ٥٤٨ مليار دولار خلال عام ٢٠١٣ في الاقتصادات الناشئة والنامية وحدها. وحوالي ٤٩٣ مليار دولار على إعانات الاستهلاك للوقود الأحفوري في عام ٢٠١٤. مما اضطر بلدان مجموعة العشرين وحدها في تلك السنة إلى تخصيص ٤٥٠ مليار دولار لدعم منتجى الوقود (شركات البترول العالمية معظمها تتبع الدول الكبرى وتطلب قروضًا من البنوك الدولية للإنفاق) لاستمرار وتشجيع عمليات البحث والحفر والإنتاج حسب ما أشار إليه معهد التنمية الخارجية في المملكة المتحدة. وقد بدأ بعض الدول كالهند وإندونيسيا والمكسيك ومصر والسعودية والإمارات -على سبيل المثال- في اتخاذ خطوات جادة لإصلاح منظومة دعم الطاقة (غاز وكهرباء وبنزين) بشكل تدريجي منذ عام ٢٠١٤ للوصول إلى إلغاء الدعم تمامًا عن الوقود بحلول عام ٢٠٢٠، وذلك بالتعاون مع صندوق النقد الدولي مقابل تقديم المشورة والدعم الفني ورسم الخطط والسياسات وتقديم الخبرات لتحقيق النهضة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في مجالات التعليم والصحة وحماية الفقراء. وأخيرًا، سواء اتفقنا أو اختلفنا على أهمية إلغاء الدعم للطاقة من عدمه، فإن إجراء إلغاء الدعم كى يؤتى ثماره في الدول النامية يحتاج بالضرورة إلى: ١- محاربة الفساد والسرقة والبلطجة حتى يتم الاستخدام الأمثل للموارد المالية والاقتصادية والبشرية في مكانها الصحيح دون إهدار. ٢- الشفافية والمصارحة وشرح أهمية سياسة إلغاء الدعم بوضوح للمواطنين، وإلى أي مدى يضر الدعم بالإنفاق العام. ٣- شرح فائدة تقليل الاستهلاك للوقود التقليدي وأضراره البيئية. ٤- إقامة نظام ضريبي عادل لتحقيق نتائج مالية أفضل لخفض عجز الموازنة، مع ضرورة محاسبة المتهربين. ٥- دعم الفقراء وتعديل الأجور بما يتناسب مع طبيعة العمل وخطورته والقضاء على الفجوة بين الحد الأدني والأقصى للأجور. ٦- وضع خطة اقتصادية مجدولة وإحكام الرقابة على التنفيذ، على أن يتعاون في تنفيذها القطاع الخاص والعام. ٧٧- وضع قوانين صارمة ضد ممارسات الاحتكار والمتلاعبين بالأسعار في الأسواق. الخلاصة، نجاح سياسة إلغاء الدعم مشروطة بمحاربة الفساد، والحوكمة والإدارة الرشيدة للموارد، والعمل على تنوع مصادر الدخل، وتحديد أولويات الإنفاق الحكومي. وضرورة كسب الشرعية والتأييد الشعبي من خلال الوضوح في عرض السياسات المتبعة وشرح أهميتها دون مواربة أو تناقضات! فلا غنى أبدًا عن التعاون بين أفراد المجتمع، وبين المسئولين والمواطنين لنجاح عمليات الإصلاح.