المساء
خيرية البشلاوى
محمد فهيم.. وصابرين في "الجماعة"
ليس بالنص المكتوب وحده نجح مسلسل "الجماعة" في إثارة جدل لم يتحقق بنفس القوة والسخونة لعمل درامي آخر في موسم 2017 الرمضاني. النص الذي كتبه وحيد حامد يمثل لاشك العمود الفقري الداعم للبنية الفنية والفكرية ودونه الهزال والشلل الرعاش للعمل ككل.
العناصر الفنية الأخري "إخراج ـ تصوير ـ موسيقي ـ إنتاج إلخ" هي التي تمنح النص روحاً وكياناً قائماً حياً وناطقاً ومحركاً لشهية المتفرج أثناء متابعته للحلقات. ومحركاً أيضاً لشهوة البعض في الدخول علي النص نفسه وتفنيده خاصة أنه يطرح قضية اجتماعية سياسية شائكة ومقلقة للنسبة الأكبر من المهتمين بقضية "الإخوان المسلمين" التي حصلت مؤخراً وعن استحقاق علي لقب "الجماعة الإرهابية".
ولعل أكثر العناصر قوة وإثارة للانتباه عنصر التشخيص المدهش لطاقم الممثلين وبالذات شخصية سيد قطب التي لعبها الممثل محمد فهيم الذي لم يكن معروفاً لعامة المشاهدين ولم يكن هكذا حاضراً في أذهان عشاق الدراما التليفزيونية.
وفي شرحه لكيفية استعداده لأداء الشخصية قدم الممثل درساً بليغاً لزملائه في معني الجدية والإخلاص والحرص والمثابرة من أجل استيعاب روح الشخصية خصوصاً لو كانت مركبة وصعبة ومعروفة مثل شخصية سيد قطب. وكيف حاول الوصول إلي أفكاره وقناعاته الأيديولوجية يجمع كتبه وقراءتها ومعرفة من تأثر بهم في حياته من المفكرين الإسلاميين أو غيرهم.
يقول آخر اجتهد محمد فهيم لاستخلاص جوهر ما كان يحرك الشخصية التي سوف يؤديها وحاول أن يستحضرها بخياله وأن "يسكنها" ويستوعب طاقاتها النفسية التي جعلته يمتلك هذا التأثير. ثم جاء بالمناح من شرائط الفيديو علي قلتها وذاكر كتلميذ يستعد لامتحان حاسم في مسيرته الفنية وراح يرصد أدق حركاته الجنائية واستعان بخياله وهو يقرأ له مدققاً في أسلوبه مستخلصاً ثباته النفسي وإيقاع حركته الداخلية والدخول في طيات العباءة الثقيلة متعددة الطبقات والدرجات إنسانياً وفكرياً إلي جانب المهارات الفردية الخاصة كرجل داهية وينتظر عقر يتطلع إلي استقطاب النسبة الأكبر من عقول الشباب تمهيداً لوصول "الجماعة" إلي الحكم باسم الدعوة إلي الدين الصحيح.
لا تكفي الموهبة للممثل بدون ثقافة ومعرفة وشحن دقيق للطاقة النفسية قبل الوقوف أمام الكاميرا صحيح أن طموح الممثل الموهوب لن يتحقق بصورة مرضية بدون إدارة المخرج المتمرس المدعومة بطاقة خلاقة تتناغم مع روح الفريق ومع الرسائل المطلوب بثها من خلاله.
ولا يمكن إغفال عنصر المكياج. فقد أضاف لاشك إلي ملامح الشخصية الخارجية ما يوحي بداخلها وأشاع من ثم الأجواء النفسية المناسبة لاستقبالها وكان كلامنا في شخصية سيد قطب وزينب الغزالي.
باختصار شحن محمد فهيم موهبته بالمعرفة.. وكيفية استخدام لغة الجسد ونظرات العيون. ومراعاة المسافة المادية الفاصلة بينه وبين من يخاطبه محققاً هذه النتيجة المدهشة والأثر الكبير الذي تركه.
محمد فهيم باختصار استبدل الأصل بالصورة الفنية بعد أن حولها إلي لحم ودم وروح وفكر وتركيبة سيكولوجية بقسمات منفردة وبدرجة من المصداقية عالية.
الممثلة صابرين بدورها أضافت إلي قائمة إنجازاتها شخصية "زينب الغزالي" الداعية الإسلامية صاحبة الشخصية النافذة. بعد أن كانت القائمة قاصرة علي "أم كلثوم" التي دفعت بها إلي صفوف الممثلات المبدعات. والإبداع يتجاوز مجرد التميز والاجتهاد والتشخيص المناسب.
صابرين في أدائها لهذه الشخصية التي تمثل ربما النقيض الكامل لشخصية أم كلثوم. وإن امتلكت قوة خارقة ارتفعت إلي مستوي التحدي وكان واضحاً رغبتها في التفوق والخروج من أردية أم كلثوم وصوتها وطبيعة نشأتها والدور الذي لعبته بموهبتها الفذة في الغناء وثرائها الروحي واستنارتها.. ومن المؤكد أنها استعدت هي أيضاً للدور الصعب الذي اسند إليها. وللشخصية القوية المركبة للداعية الداهية التي لعبت في الواقع دوراً أدخلها التاريخ كامرأة مصرية حولتها "الأيدولوجيا" إلي داعية إسلامية وزعيمة داخل تنظيم "الإخوان المسلمين" أو "الجماعة الإرهابية".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف