منذ حوالي شهر تقريباً أدلي وزير الخارجية سامح شكري بتصريحات مهمة حول طريقة التعامل مع أثيوبيا إذا استمرت في سياسة المراوغة والمماطلة وإضاعة الوقت للتهرب من الالتزامات التي يفرضها اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعته في مارس 2015 مع مصر والسودان بشأن سد النهضة والذي ينص علي تعاون الدول الثلاث في استخدام المخرجات النهائية للدراسات المشتركة للاتفاق علي الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لبحيرة السد وقواعد التشغيل السنوي.
في هذه التصريحات قال وزير الخارجية بنبرة غير متفائلة: "نحن نتابع المفاوضات مع أثيوبيا متابعة حثيثة. والاجتماعات الأخيرة كانت صعبة. ولن استطيع أن أقول إننا نرضي عن نتائجها لأن بها قدراً من الخروج عما كنا نعتبر معه أننا نتعامل في إطار شراكة".
ورداً علي سؤال: هل تناور أثيوبيا لكسب الوقت؟ قال شكري: إننا نتابع ونقيم. وإذا شعرنا بأن هذا هو النهج فسوف نتخذ مسلكاً آخر.
وقد فهم من هذه التصريحات أن مصر تريد أن تبعث برسالة لأثيوبيا بأننا نرفض سياسة فرض الأمر الواقع وأن للصبر حدوداً. فعندما يقول الوزير المعروف عنه الدبلوماسية الشديدة إن المفاوضات صعبة فالمعني الحقيقي أن المفاوضات في أزمة كبيرة.
وعلي هامش القمة الأفريقية التي عقدت في أديس أبابا منذ أيام التقي شكري بنظيره الأثيوبي وأكد له ـ طبقاً لما ذكره المستشار أحمد أبوزيد المتحدث باسم وزارة الخارجية ـ أن مصر هي الطرف الرئيسي الذي يمكن أن يتضرر من استكمال بناء السد وبدء تشغيله دون أخذ الشواغل والمخاوف المصرية بعين الاعتبار.
كانت هذه رسالة مهمة للمكاشفة والمصارحة موجهة لأثيوبيا والسودان معاً. فلقد صبرت مصر كثيراً. وتحدثت بلسان الدبلوماسية كثيراً. وما لم يفهم بالإشارة يجب إيضاحه بالعبارة.
ومع توارد أنباء غير مؤكدة عن بدء أثيوبيا التخزين التجريبي لمياه بحيرة سد النهضة تلجأ حكومة أديس أبابا لأسلوب المراوغة لكسب مزيد من الوقت وتعطيل اجتماعات اللجنة الفنية لمناقشة التقرير النهائي الذي قدمه المكتبان الاستشاريان المكلفان من الدول الثلاث بمراجعة دراسات السد. وسبق أن طلبت مصر عقد اجتماع عاجل للجنة الفنية الثلاثية علي المستوي الوزاري. وحتي هذه اللحظات لم يتم الاتفاق علي موعد محدد لعقد الاجتماع.
ويبدو أنه بسبب هذه الملابسات تم إسناد إدارة ملف سد النهضة إلي وزارة الخارجية في مرحلته التفاوضية الحالية بعد تعثر مباحثات الجانب الفني الذي يقوده وزراء المياه. ويستهدف التحرك الدبلوماسي المصري تجاوز الخلافات الفنية للدخول في عمق المشكلة وجوهرها. وفي الوقت ذاته الانفتاح علي دول حوض النيل الأخري لتحقيق أقصي قدر من التفاهم والتعاون وبناء الثقة فيما يعرف باستراتيجية التنمية الشاملة. هذه الاستراتيجية تقوم علي مساعدة مصر لهذه الدول في تحقيق التنمية لشعوبها. وفي ذات الوقت عدم التفريط في الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل. وهو ما تؤكد عليه الخارجية المصرية في كل المناسبات بأن "أمن مصر المائي خط أحمر ولا يقبل المساومة".