عجبت لأمر بعضهم ممن أرسوا مركب حياتهم عند بلوغهم سن الستين، وأنزلوا شراعها، وأوقفوا موتورها، واسكنوا حركاتها إلا من اهتزازات في خفة زَبد يضرب في قاعها من حين لآخر، وأوقفوا معها رعشات قلوبهم المُحبة، فنجد زوجة تتوارى في خجل شديد إذا ما أعرب لها الزوج بكلمة غزل، بل في بعض الحالات تنهره بشدة عن تجاوزه حدود الادب لمن في مثل عمره!!
فهي تعتبر أن المشاعر آن لها الراحة والسكون في انتظار الموت، وأن الإعراب عن الحب لزوجها يدخل في باب العيب!
وفي الجانب الأخر يعتبر بعض الأزواج أن وصول زوجاتهم لسن الستين يعني إحالة علاقتهم العاطفية معهن إلى التقاعد، فإذا تدللت الزوجة أو حاولت التزين في بيتها قابلها الزوج بسيل من الاستهزاء والسخرية، وابسط جملة تقال في مثل تلك المواقف (ايه اللي أنتي عملاه ده في نفسك عيب على سنك)!
حتى وإن لم يبُد الزوج تعليق ساخر على زوجته، اكتفي بما هو أشد بنظرات التجاهل.
رغم أن في كثير من الحالات نجد بعضهم يفرغون شحنات من الكبت العاطفي باستراق النظر إلى شابات صغيرات السن!
كل ذلك يحدث خفية وبكثرة في الاسرة المصرية وأتعجب بعد كل هذا لمن يندهش من زيادة وارتفاع نسبة (الطلاق الصامت) بين كبار السن.
ولهؤلاء الازواج والزوجات اسألهم:
هل بعد بلوغكم هذا السن توقفت معدتكم عن الشعور بالجوع؟
هل منعتم إحساسكم بالألم عند أصابتكم بمرض؟
هل توقفت مداعبتكم لأحفادكم وشعوركم بالسعادة وهم يلهون معكم؟
نعم بعد بلوغ سن الستين قد تقل قوة التحمل، ويمكن أن تهن العظام وعضلات الجسد، ربما تتباطأ سرعة التحرك والرغبات العارمة في الخروج والانطلاق كما في أيام الشباب، لكن الشيء الوحيد الثابت الذي لا يتغير ولا تخبئ ذروته هو الأحاسيس والحب، بل العكس صحيح فهي تتزايد وتملأ مساحات الفراغ التي سمح بها التفرغ من العمل، والانتهاء من مسئوليات الحياة وتربية الأبناء، وكلما تقدم بالإنسان العمر كلما زادت حاجته إلى العاطفة والحب.
تعامل شريك الحياة مع شريكة بمنطق أن علاقة حبهما أحيلت للمعاش هو تصرف خاطئ، يُهين ويستهين برحلة عمر طويلة كانت عامرة بمشاعر الفرح والحزن والكفاح المشترك.
لماذا لا تتحول فترة الوصول لسن المعاش لمرحلة تحقيق الاحلام التي أوجلت نتيجة ضغوط الحياة أو التي ضحى بها في سبيل الأهم وقتها؟
الزواج كما قال الله تعالي عنه هو السكن والمودة والرحمة، ولم يحدد لتلك المشاعر موعد انتهاء عند بلوغ سن محدد.
لحظات الحب التي حرمتم منها من اجل المذاكرة لطفل، أو من أجل السهر بجانب أبن مريض، الخ..
آن الاوان لتعويضها، والاستمتاع بها في هدوء واستجمام، بعد ان أتممت واجباتكم علي أكمل وجه.
وكما قيل عن عمر الستين (ربيعا)، وصف تلك المرحلة من العمر بالربيع شهر تفتح الزرع والزهور وامتلاء الشجر بالثمار، يعني مرحلة التمتع بحصاد رحلة حياتكم، الاسترخاء والتمتع بعبير ورود زرعكم، أطلقوا لأحلامِكم العنان، عبروا عن مشاعركم وعواطفكم لشركاء حياتكم، فالحب الحقيقي يبدأ بعد سن الإحالة إلى المعاش.