مازال المواطنون يدفعون فاتورة تكلفة البرنامج الذى التزمت به الحكومة مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر الماضى، والذى تضمن تحرير سعر الصرف وإلغاء دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة، هذه التكلفة تمثلت في الزيادة الكبيرة فى الأسعار التى طالت الجميع وقفزت بمعدل التضخم إلى ٣٢ ٪ العام الماضى وبأسعار المواد الغذائية إلى أكثر، لقد كان من المفترض أن بواجه ذلك إجراءات كثيرة تخفف من وطأة هذه الاصلاحات..
إلا أن ذلك لم بحدث، واكتفت الحكومة بأنها اتخذت القرارات الشجاعة والضرورية التى تردد آخرون فى الإقدام عليها، ولكن لا يكفى اتخاذ هذه القرارات المالية والتوقف عندها، بل كان يجب الاستعداد لعواقبها الاقتصادية والاجتماعية كى لا تتحول إلى كابوس يؤرق كل المصريين، ببرامج تحقق عوائد كبيرة، على رأسها زيادة الاستثمار، وانخفاض البطالة، وتدفق السياحة، وتوافر النقد الأجنبى، وتحرير موارد إضافية للدولة تتيح مزيدا من الإنفاق على الخدمات العامة.
لكن الحكومة تصرفت كما لو كان مجرد تطبيق الإصلاح المالى والنقدى كافيا لتحقيق تلك العوائد، والنتيجة ارتفاع الشديد فى الأسعار، فلا الاستثمار زاد بما يكفى، ولا السياحة انتعشت، ولا البطالة انخفضت، الأكثر من ذلك ازمة الدولار ورفع سعر الفائدة مؤخرا والذي يعتبر كارثة على الاستثمار لأنه سيضع البلد في حالة ركود، وهناك بعض الأحاديث تشير إلى أن هناك تدخلُ إداريًا لتخفيض الدولار كي يشعر الناس أن الأوضاع تتحسن، وإن كنا تأمل أن يكون هذا التراجع حقيقي (وفقا لآليات العرض والطلب بالسوق) ، و(ليس إداريا ) بسبب تدخل البنك المركزي، فضلا عن أن الأموال الساخنة من المستثمرين الأجانب لشراء أذون وسندات الخزانة هامة ولكنها لا تعني استدامة النمو، أو استدامة تراجع سعر الدولار، فمرحبا بإنخفاض سعر الدولار الناتج عن موارد دولارية حقيقية وليس من حصيلة دولارات صناديق الاستثمار فى اذون الخزانة قصيرة الأجل، ومرحبا بزيادة الاحتياطى النقدى الدولارى إذا كانت من موارد حقيقية مملوكة لنا فى جانب "الأصول"، و لم تكن مديونية الدولة الدولارية قد ارتفعت ايضا فى جانب "الخصوم" فى ميزانية الدولة و وصلت إلى ارقام قياسية، ومرحبا برفع سعر الفائدة مرة أخرى، إذا كان ذلك لكبح جماح التضخم الناتج عن الانتعاش الاقتصادى و زيادة الطلب على السلع والخدمات، وليس نتيجة ارتفاع التكلفة، و تفشى البطالة والغلاء و الركود..
أهلاً و سهلاً بتنشيط برنامج الخصخصة من جديد إذا كانت فى شكل طرح أسهم زيادة فى رأس المال تؤدى إلى التوسع و الاستثمار و التشغيل، وليس مجرد بيع شركات لمستثمر استراتيچى او طرحها فى البورصة بغرض تحقيق عوائد نقدية تسد عجز الموازنة، فالآثار السلبية للعديد من تجارب الخصخصة فى التسعينات تحتم علينا هذا الإتجاه، لكن مايحدث ان الرئيس يجوب العالم لجذب الاستثمارات (يصاحبها بالضرورة سياسة اقتصادية توسعية) و المركزى يرفع سعر الفائدة و الحكومة ممثلة في وزارة المالية ترفع الضرائب ( سياسة إنكماشية) !!!
والآن فلا يمكن التراجع عن الإصلاح المالى والنقدى لأن ذلك لن يكون مجديا، ولن يفيد الناس. الحل الوحيد المتاح هو إعادة النظر فيما جعل الإصلاح المالى لا يأتى بثماره، والاعتراف بعدم جدوى الاستمرار فى السياسات الاقتصادية الراهنة المعرقلة للتنمية.