لم تكن تجربتنا مع الخصخصة إيجابية . كانت في الغالب الأعم مهرجانا للبيع والنصب والاحتيال مازلنا نعاني من تبعاته حتي اليوم . وقد استطعنا بفضل رجال مخلصين لله والوطن أن نسترد بعض الوحدات الإستراتيجية والشركات والمصانع التي تعرضت للنهب والتخريب من جانب المستثمرين الذين لم ينفذوا التزاماتهم التي نصت عليها العقود . وبعد جهد جهيد عادت هذه الشركات والمصانع إلي الدولة المصرية وتم تأهيلها من جديد ودمجها في الاقتصاد الوطني.
لايمكن أن ننسي في هذا المجال تجربتنا في خصخصة شركة "عمر افندي" وتجربة "شركة قها" وشركات البيبسي كولا والكوكاكولا والكتان والكوك والزيوت والغزل والنسيج . وما لحق بها من أضرار علي يد من ادعوا أنهم مستثمرون ثم اكتشفنا أنهم مجموعة مغامرين كان شعارهم "اخطف واجري" فلم يحققوا شيئا من الشعارات التي رفعوها . وبدلا من أن يطوروا الوحدات الإنتاجية كان كل همهم التخلص من العمالة وتسريحها وتعطيل خطوط الإنتاج وتكهين الماكينات وتحويل الأراضي إلي مشروعات عقارية وبيعها بالقطعة.
واليوم تستعد وزارة قطاع الأعمال العام خلال الأسابيع القليلة القادمة لطرح حصص من أسهم بعض الشركات للمستثمرين في البورصة لاستخدام حصيلة البيع في إصلاح الشركات وهو اتجاه للعودة "كما يبدو" إلي الخصخصة ولكن في ثوب جديد.
وقد أحسن الصديق العزيز الأستاذ هاني صالح زميل دفعتي في كلية الإعلام جامعة القاهرة المتخصص في الشئون الاقتصادية صنعا حين تناول هذه القضية في الشقيقة "الجمهورية" يوم الثلاثاء الماضي "11 يوليو 2017" محذرا علي لسان مجموعة من الخبراء الذين عاصروا عمليات الخصخصة خلال الفترة الماضية من الوقوع في أخطاء جسيمة . ومطالبا علي لسان االخبراء أيضا بضرورة إجراء التقييم العادل للشركات قبل طرحها وحظر تغيير النشاط الصناعي بهدف تسقيع أراضي الشركات والاتجار بها في السوق العقارية أو قيام بعض المستثمرين في غفلة من الأجهزة الرقابية بالاستحواذ علي نسبة كبيرة من رأس المال في شركات استراتيجية وتوجيه هذه الشركات للحصول علي مكاسب سياسية أو تنفيذ أجندات خاصة.
وكشف الخبراء في هذا التحقيق الصحفي الجريء الكثير من المصائب التي ارتكبها المستثمر ساويرس عندما اشتري شركة المراجل البخارية وحاول أن يستفيد من أرضها في بناء أبراج سكنية وقام بإتلاف نشاط المراجل في المصنع الأم بمنيل شيحة علي النيل . وما فعله المستثمر حسن عوف الذي اشتري شركة قها وحاول هدم الكيان الصناعي للشركة لاستغلال الأرض.
ولتفادي هذه الممارسات السلبية طالب الخبراء الحكومة بأن تكتفي ببيع نسبة من الأسهم للمستثمرين . وأن تحتفظ لنفسها بتملك حصص حاكمة من الأسهم تسمح لها بحق الإدارة . بحيث لاتزيد أسهم المستثمرين علي 10% في الشركات العادية و5 % في الشركات الاستراتيجية . حتي لاتسمح بقيام مجموعة من المستثمرين بالاستحواذ علي الجانب الأكبر من الأسهم.
أتمني أن تعود وزارة قطاع الأعمال العام إلي هؤلاء الخبراء الوطنيين للاستفادة من توجيهاتهم قبل أن تقدم علي تجربة الخصخصة الجديدة . فلابد أن نتعلم من أخطائنا ولا نكررها.