الجمهورية
على هاشم
بعد أن أهملناه طويلا.. آن أوان الإصلاح !
يوم يستطيع تعليمنا المنافسة العالمية في إنتاج الأفكار والمعرفة. وإفراز خريجين لديهم مواهب ومهارات وقدرات تؤهلهم لسوق العمل وخلق بيئة جاذبة للمتعلمين ,بيئة تنشر السعادة بين أطفالنا فيذهبون إلي المدرسة حاملين البهجة والتفاؤل وليس حقائب ينوء بحملها الكبار حقائب محشوة بكتب وكراسات ترهقهم وتشقيهم وتبدد طاقتهم وأحلامهم ..يوم يجد أولادنا اهتمامًا بالرياضة والفنون والأنشطة والرحلات في مدارسنا يمكننا ساعتها أن نفاخر بأن لدينا تعليمًا حقيقياً وأننا بالفعل اتخذنا خطوت جادة علي طريق إصلاح التعليم وبناء عقل مصر المبدع !
ولأن الشفافية والمصارحة والمكاشفة والاعتراف بالسلبيات أكثر سبل الإصلاح نجاعة فقد اعترف د. طارق شوقي وزير التربية والتعليم بانتهاء صلاحية منظومة التعليم الحالية . ومهما نحاول ـ من وجهة نظر الوزير ـ إصلاحها بتطبيق نظم جديدة للامتحانات سوف يجري إعلانها الشهر المقبل ومهما نطور المناهج وندرب المعلمين فإن تعليمنا لن يتحسن إلا بنسبة 20% ومن ثم فلا مناص من نسف حمامنا القديم. والأمل في تأسيس نظام تعليمي آخر يبدأ من الحضانة. مرورًا بكل مراحل التعليم حتي الدراسات العليا ليفرز في النهاية ما تحتاجه مصر من كوادر في شتي المجالات .. وهو ما تبحث الحكومة تنفيذه حاليًا وتدعو مكونات المجتمع كافةً للإسهام بدورها كل في مجاله لتحقيق هذا الأمل وهذا الحلم الذي طال انتظاره .. فليس هناك ـ كما قال د.طارق شوقي ـ خيار آخر إذا أردنا التقدم والنهضة.. ما قاله أوائل الثانوية العامة هذا العام والأعوام السابقة أيضاً يضع أمام أعيننا حقيقة ناصعة تكشف عن الفشل العظيم الذي حققه تعليمنا فقد اعترف هؤلاء الصفوة-وأغلبهم ينتمي لمدارس حكومية- بأنهم لم يذهبوا للمدارس. وأنهم اعتمدوا علي دروس خصوصية. أنفقوا عليها آلاف الجنيهات .. هذا الاعتراف يعني مباشرة غياب أي دور فعال للمدرسة . ويعني أيضًا إهدار مليارات الجنيهات علي صيانتها وطباعة الكتب المدرسية التي عزف عنها الطلاب إلي الكتب الخارجية وملازم الدروس الخصوصية . وأن ما ينفق علي التعليم باهظ الكلفة» إذ يلتهم ثلث دخل الأسرة المصرية التي باتت ميزانيتها تشبه ميزانية الدولة. حيث تلتهم فوائد الديون والأجور نحو ثلثيها. ولا يتبقي لها إلا الثلث لينفق علي التنمية وعلي الصحة والاستثمار والبنية الأساسية .. فهل ما يبقي للأسرة أو للدولة يكفي لبناء مواطن صالح ؟
مليارات الجنيهات يجري إهدارها علي تعليم عقيم . ما بين أجور مدرسين ودروس خصوصية لا يسدد أصحابها أي ضرائب للدولة ولا يؤدون الرسالة التربوية الأخلاقية بمعناها الأصيل . بينما حكومتنا المتعاقبة تمد يدها ذات اليمين وذات الشمال للحصول علي أموال لبناء المدارس ثم تترك بعض المعلمين يمتصون دماء أولياء التلاميذ. حتي أن السناتر الخاصة تشهد طوابير طويلة للحجز فيها قبيل بدء العام الدراسي .. فمن المستفيد من ترهل تلك المنظومة وفسادها علي هذا النحو ؟
لا شك أننا نفتقد كل شيء في تعليمنا . فلا هو صار تربويًا ولا هو يبني الأجسام بالرياضة ولا العقول بنور المعرفة . بل صار رحلة عذاب ودائرة جهنمية تدور فيها كل أسرة مصرية حتي يصل الابن للثانوية العامة ويحصل علي مجموع صار للأسف مفتاح المستقبل لدخول الجامعة ثم التخرج للحصول علي عمل أو الانضمام لصفوف آلاف العاطلين سنويًا .. وكثيرًا ما نجد طلابًا يلتحقون بكليات أو أقسام فرضها عليهم مجموعهم في الثانوية وهم لا يحبونها وقد يتركونها أو يستمرون فيها علي مضض .. فهل ننتظر من الكارهين لدراستهم إبداعًا أو إنتاجًا خلاقًا .. أليس الإكراه هو الفشل بعينه ؟!.
لقد وعد وزير التربية والتعليم. وأظنه صادقًا. بإنهاء ¢بعبع¢ الثانوية العامة وفك عقدتها التي تطبق علي رقابنا منذ عقود . ولا تحقق عدالة ولا تكافؤ فرص ولا تبشر بمستقبل أفضل . ولا تعبر بحال عن القدرات الحقيقية لطلابها . وربما ندهش إذا علمنا أن الدول المتقدمة لا تعرف مثل هذا النظام التعليمي العقيم الذي لا يوجد حتي في دول كانت يومًا أقل منا تعليميًا ثم ها هي اليوم تناطح السحاب .. بعد أن جعلت الاستثمار في البشر وتعليمهم وصحتهم أولويتها الأولي.. بينما أهملنا نحن ذلك عقودًا طويلة .. ونسينا أن كل تطور يلزمه تعليم جيد له هدف وبوصلة لا يخطئها .. لكننا للأسف نجد جماعات رفض من مصلحتها أن يبقي هذا الوضع المتردي كما هو عليه.. نحن في حاجة إلي ثورة حقيقية في التعليم والثقافة . ثورة تنهي سطوة الثانوية العامة ورهبتها وآثارها المدمرة ومتاعبها. وإذا كان نظام البوكليت مثلاً قد نجح باقتدار في تحجيم الفشل فلا مانع من استمراره وتطويره كخطوة أولية عاجلة للإصلاح. جنبًا إلي جنب الإستراتيجية بعيدة المدي .. كما نرجو أن يهتم د.طارق شوقي بالتعليم الفني الذي تحتاج إليه مصر بشدة . فخريجوه الحاليون دون المستوي . لا يفيدون أنفسهم ولا الدولة التي أنفقت علي تعليمهم مليارات الجنيهات.. فكانت الخسارة محققه للجميع بخلاف ما يحدث في الغرب الذي يجعل التعليم الفني في مرتبة أعلي ماديًا واجتماعيًا وينال خريجوه احترامًا يجعلهم يقبلون عليه بأريحية وشغف وليس اضطرارًا كما يحدث عندنا .. نحن في أشد الحاجة لعمالة فنية ماهرة مدربة ملمة بفنون العصر ومستحدثاته في المصانع والشركات .. في الزراعة والبناء والصناعة والخدمات والميكانيكا والكهرباء .. أين مثلاً مشروع مبارك كول ذلك الذي يطبق بنجاح باهر في ألمانيا التي تجني مليارات الدولارات عوائد اقتصادية تحققها العمالة الفنية المدربة هناك .. لقد ظهر مثل هذا النموذج في عهد الوزير د. حسين كامل بهاء الدين. ثم سرعان ما خفت ضوءه .. أرجو أن يعيد الوزير مثل هذا المشروع وغيره إلي الحياة . حتي يفرز عمالة فنية تحقق قيمة مضافة لمصر . فمبلغ علمي أن الوزير جاء وفي رأسه خطة إصلاحية كبري تعيد صياغة المنظومة التعليمية لتضعها علي الخريطة العالمية التي لم نعد للأسف أحد مكوناتها المضيئة .. ونرجو أن تمد له الحكومة يد العون وأن تبادر قوي المجتمع المدني المعنية بالتعليم بالتعاون معه لإحداث النهضة المطلوبة في التعليم بشتي مكوناته.. فليس التطوير أن نحذف جزءًا من المناهج قد يكون عبئًا لا يضيف شيئًا ذا قيمة ولا بالتوسع في الكليات النظرية التي عفا عليها الزمن . وإنما هو عملية شاملة لإشباع الاحتياجات الحقيقية للدولة من الخرجين القادرين علي بناء نهضة علمية وصناعية وزراعية وتكنولوجية قادرة علي الإنتاج وتحقق القيمة المضافة والمنافسة الجادة عالميًا مثلما فعلت دول نامية كانت مثلنا ثم تفوقت علينا بكثير .. ويوم يكتمل للتعليم أركانه سنجد حتمًا صناعة محترمة واقتصاداً قويًا وزراعة متطورة وأخلاقًا تعيد الأمن والاستقرار والقيم الجميلة إلي حياتنا .
الاستثمار في البشر قبل الحجر هو ضربة البداية إلي مستقبل واعد والالتزام بالميزانية التي حددها الدستور للتعليم فريضة لا يصح التحلل منها بأي ذرائع حتي نصل بالمجتمع إلي الهدف المنشود .
***
ماذا ننتظر لتطهير الأجهزة من فلول الإخوان..؟!
لا أدري ماذا تنتظر الحكومة لتطهير الأجهزة والمصالح والهيئات المختلفة من فلول الإخوان وأعوانهم .. كفانا تعطيلاً لمصالح البلاد والعباد وتهييج المشاعر ضد الدولة مع كل مشكلة أو أزمة صغيرة أو كبيرة .. فمنذ أيام قليلة انقطعت المياه لأسباب خارجة عن الإرادة في مدينة الشروق التي يسكن فيها رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل . وعلي الفور قام جهاز المدينة الذي يرأسه المهندس نور الدين إسماعيل باتخاذ ما يلزم لعلاج المشكلة حتي يتم إصلاح العطل . وتواصل مع أهالي المنطقة لإبلاغهم بانقطاع المياه لكن الكتائب الإلكترونية لجماعة الشر استغلت الواقعة لتهيج المشاعر حتي أن عناصر منها سرعان ما انتشرت في الشوارع تستقل دراجات بخارية وتذيع علي الناس هذا الخبر عبر ميكروفونات المساجد . وهو ما فطن إليه رئيس الجهاز الذي لجأ إلي صفحات التواصل الاجتماعي ذات التجمعات الكبيرة من سكان المنطقة ليطمئنهم إلي أنه يجري اتخاذ اللازم لإعادة المياه في أسرع وقت حتي يفوت الفرصة علي مثل هذه الألاعيب الشيطانية في تأليب المواطنين ضد الحكومة .. ولا أظن أن هذه هي الواقعة الوحيدة التي جري تهويلها ونفخ النار فيها» ففي كل موقع وقائع مشابهة يجري استثمارها ضد الحكومة لتهييج الناس وزيادة الفجوة بينهم وبين المسئولين الذين لا يفطن كثير منهم لمثل هذه الحيل المكشوفة .. لقد برع الإخوان في الخيانة والتآمر علي الأنظمة كافة .. فقد قدمت الجماعة نفسها للناس علي أنها دعوية دينية هدفها نشر مبادئ الإسلام ثم سرعان ما انحرف بها مؤسسها إلي السياسة وسعي إلي السلطة وهو ما اعترف به حسن البنا بعد سنوات من ظهور الجماعة .. أما الأدهي والأمرَّ فهو أن جماعة الإخوان قدمت نفسها علي أنها حريصة علي استقلال البلاد وتحريرها من الاستعمار بينما ارتضت أن تكون هي نفسها أداة في يد الإنجليز ثم الأمريكان . ورغم أنها حاولت خداع كل الأنظمة الحاكمة لمصر من لدن عبد الناصر بأنها ¢ سلمية¢ فقد أسس مرشدها الأول في الخفاء تنظيمًا سرياً يختص بأعمال العنف والاغتيال السياسي ثم لبست قناع الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير ثم تخلت عنها. وحاولت التخلص منها بعد وصولها للحكم.. ناهيك عما مارسته من خداع وتضليل سياسي بشعارات زائفة ورشاوي انتخابية وتزوير وتزييف واستقواء بمجموعات العنف وتدليس في جميع الاتجاهات.. ورغم علم كل الأنظمة بألاعيب الإخوان فإنهم للأسف فشلوا في اجتثاث الجماعة من جذورها.. ورغم خطرها فقد ظلت تلعب في ميدان السياسة تحت سمع وبصر الأنظمة المتعاقبة حتي أعلنت الحرب علي الدولة بشراسة منذ عزل مرسي وتحالفت مع أشد التنظيمات الإرهابية عنفًا» ومن ثم فلا خروج من هذا النفق إلا بمواجهة مجتمعية شاملة تحقق المواجهة الحاسمة للإرهاب وتتيح التفرغ للبناء في الوقت ذاته ولن يتحقق ذلك إلا بترك الجدل والخلاف والتضامن في المسئولية.. فلن تقوم لنا قائمة إلا إذا قام كل منا بدوره وصرنا جميعًا ¢ إيد واحدة ¢ في مواجهة الإرهاب والإرهابيين .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف