الأهرام
د. محمد يونس
تغليظ العقوبة لا يكفى
فى زحمة الاستقطاب السياسي، منذ عام تقريبا، تمر قضايا اجتماعية مهمة، ولكن ثقل الموضوعات السياسية، التى تتربع على قمة اهتمامات الإعلام، يجعلها تتراجع فى سلم الأولويات على الرغم من أهميتها الشديدة، ومن هذه القضايا الاتجار بالأعضاء البشرية، وهى قضية عالمية لها أبعادها المحلية، و تصاعد الاهتمام بها فى مصر منذ نهاية العام الماضى مع اكتشاف أكبر شبكة للاتجار فى الاعضاء، وتزامن ذلك مع تزايد أعداد جرائم خطف الأطفال، بل نشرت مواقع التواصل الاجتماعى العديد من مقاطع الڤيديو التى توضح تفنن المجرمين فى خطف الأطفال وهم برفقة أهاليهم.

ويزيد من خطورة القضية، الطلب الكبير نسبيا على الأعضاء البشرية عالميا.

ومن ثم توجد مخاوف من تحولها الى جريمة منظمة، وسط تقارير تفيد بأن الكثير من الناس من البلدان الأقل نموا على استعداد لبيع أعضائهم فى بلادهم لأجل المال، فى حين هناك تقارير أخرى تفيد بأن العديد من البشر يتم قتلهم سعيا لاقتناص أعضائهم وبيعها للعصابات وتجار الأعضاء البشرية من أجل الربح، هذه المخاوف لا تطول الدول الفقيرة فقط، بل نجدها داخل أوروبا حيث توجد العصابات الإجرامية التى تشارك فى الاتجار بالأعضاء البشرية فى كوسوفو وبلدان أوروبية أخرى. وترتب على نقص المعروض من الأعضاء البشرية، ظهور عصابات محلية لخطف الاطفال او استغلال المحتاجين واقناعهم بالتبرع او البيع فى شكل تبرع. وفى مصر يجرم القانون الاتجار بالأعضاء البشرية، ويضع قيودا كبيرة على عملية التبرع أو تبادل وزراعة الأعضاء، وينظمها وفق قانون «تنظيم زراعة الأعضاء البشرية» الصادر عام 2010، الذى يمنع التبرع إلا بين الأقارب من المصريين أو بموافقة لجنة خاصة من وزير الصحة، ويجرم القانون حصول المتبرع على أى مقابل أو أجر أو مكافأة.. ويتضمن التعديل الذى قدم لمجلس النواب خلال الأيام القليلة الماضية، تشديد العقوبات للمخالفين لتبلغ السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه.

وفقًا لتقرير منظمة التحالف الدولى لمكافحة تجارة الأعضاء البشرية «كوفس»، فإن مصر تحتل المركز الثالث عالميًّا من حيث حجم الاتجار بالأعضاء البشرية، تسبقها فى هذا الإطار الهند والصين فقط. بالتوازى مع ذلك استمرت جرائم خطف الأطفال بهدف الاتجار بالاعضاء البشرية فى القاهرة والكثير من المحافظات الأخرى.

الحقيقة أن أجهزة الدولة تفاعلت مع هذه الجرائم على أكثر من مستوى، فقد كثفت الشرطة حملاتها لمواجهة هذه الجرائم الخطيرة، فقد ضبطت مباحث القاهرة خلال العام الماضى 12 قضية تجارة أعضاء بشرية فى العاصمة وحدها. كما سقط أكثر من عصابة لخطف الأطفال بيد العدالة ، كما بدأت وزارة الصحة والسكان فى يونيو الماضى اتخاذ سلسلة من الإجراءات لإحكام الرقابة على عمليات زراعة ونقل الأعضاء تتضمن تشكيل 9 لجان تتعلق بزراعة الأعضاء بما فيهم اللجنة العليا للموافقة على عمليات الزرع. ووضع معايير جديدة لمراكز زرع ونقل الأعضاء التى يتخطى عددها بمصر 52 مستشفى.

هذه القضية تحتاج إلى معالجة شاملة لا تقتصر على البعد الأمنى فحسب وإنما يجب أن تتشاطر مسئوليتها مؤسسات عديدة فى مقدمتها الإعلام والجانب التشريعى ونقابة الأطباء، وتكثيف التوعية بالتبرع بالاعضاء بعد الوفاة وتغطية الجانب الفقهى والقانونى لهذا الأمر، وهنا تكمن مسئولية علماء الدين مع رجال الإعلام وقبل ذلك مسئولية المجتمع حكومة وشعبا فى مواجهة الفقر الشديد الذى يجبر الناس على بيع اعضائهم، كما يتطلب الأمر ضرورة تغليط عقوبة الاتجار فى الاعضاء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف