الدستور
صفوت البياض
الإرهاب وأسبابه وعلاجه تعليميًا ودينيًا وقانونيًا «1»
نتناول هذا الموضوع من عدة زوايا، كالظاهرة منها ودوافعها تعليميًا وقانونيًا وحياتيًا، ثم نستعرض القضية ومواجهتها بالثقافة وطرقها المتعددة: نشرا وفنا ومناهج تعليم وخطبا دينية وقدوة عملية، وكل هذا لا يتعارض مع القانون والأحكام وتجفيف منابع التطرّف والإرهاب أينما كان قبل أن يصبح عنفا وإراقة دماء. أما السؤال الذى يطرح نفسه فهو «هل للدول الكبرى موقف واضح من الإرهاب؟ وما موقف الدول الكبرى ورؤيتهم نحو المصطلحات الآتية:
الشرق الأوسط الجديد وارتباطه بالنظام العالمى الجديد أو الشرق الأوسط الكبير.
قال شمعون بيريز «لقد جرب العرب قيادة ناصر للمنطقة مدة نصف قرن فليجربوا قيادة إسرائيل إذًا».. وذات الرؤية أعلنها برنارد لويس فى السبعينيات. كما يوجد من ينادى بها حتى يومنا هذا.. إذًا الهدف واضح وهو إضعاف المنطقة وتجزئتها وإثارة النعرات الدينية التى تثير المشاعر وتحرك البنادق وتزهق الأرواح وهم يَرَوْن فى ذلك رضوان الله وتطهير الأرض من المخالفين لهم دينيا أو عقائديا وحتى فى داخل الديانة الواحدة. والسؤال الذى يطرح نفسه:
هل العنف يتستر فى قالب دينى؟ والجواب: نعم، لا سيما والأمية ضاربة وأكثر منها ضررا هم أنصاف المتعلمين، فضلا عن الخطاب الدينى المحرك والمؤثر والفاعل دون أسلحة، غير الحناجر الأخطر من الخناجر. ويقترن الدافع الدينى بدوافع سياسية كما هى العادة مع استخدام كل الطرق والوسائل ومنها: التذرع بمبرر استخدام العنف وإثارة النعرات ضد الأقليات فى محاولة للتدليل على فشل الحكومات والأنظمة، وللأسف فإن بعض الأنظمة جاملت المتطرفين فوضعت ثقلا مضافا على الأقليات لعل ذلك يرضى جهات العنف أو يهدئ من ترويعهم أو تفاديا لأخطارهم، ولكن هذه السياسة لم تهدئ ولم تغير بل زاد العنف ضد الأقليات ثم ضد الأنظمة ذاتها التى لم تسلم منهم، والمثال فى مقتل السادات بيد ابن من أبنائه كما كان يحب أن يخاطب القوات المسلحة فى مخاطبته «أبنائى».
ومن الأمثلة الواضحة التى تحدث حولنا أو على مقربة منا مثل: المعارك ضد الأكراد والشيعة العرب ثم ضد مسيحيى الشرق الاوسط والبهائيين والإسماعيليين وغيرهم، ويبقى دائما السؤال: من أين يأتى حل المشكلة حلا جذريا؟.. وفى رأينا أن الحل لا يأتى إلا من الشعوب والحكومات معا فى الشرق الأوسط، وليس من دعاة مشروع الشرق الأوسط وتقسيمه، فمشاكل العرب لا يحلها إلا العرب إذا صدقت النوايا واقتنعوا بالقضية. إن شعوب المنطقة ليس بينهم أجنبى يتكلم لغة لا يفهمها الآخرون حتى وإن اختلفت اللهجات، فلا يمنع أن جميع أبناء المنطقة هم من ترابها، وحتى من دخلها آمنا. فبالتاريخ والجغرافيا أصبحوا نسيجا واحدا ليس لعربى فضل على عجمى إلا بالتقوى، وشتان الفرق بين التقوى وإراقة الدماء، كما أن التقوى ليس منها إراقة دماء فى غير ساحات الحروب التى تفرض وليست الغزو للآمنين. كما أن النعرات التى كانت فى الماضى لا تصلح لإثارتها فى الحاضر لا بحقوق أو مديونيات، فبالزمن صار الكل نسيجا واحدا، لكل ديانته وعقائده، كما أن أى ميزة لبعض هذه الاوطان لا فضل فيها لأحد على الآخر إلا بحسن الجوار وقبول الجار وليس لأحد فضل على الآخر لكونه من ديانة أو عقيدة مغايرة، فهذه تعددية لا فضل فيها لأحد.
ومرة أخرى تتكرر كثيرا عبارة «مشاكل شعب لا يحلها غير ذات الشعب» لا طامع حتى فى أخيه شريكه فى الدين وفى العقيدة، ولا أقول فى الاعتقاد، لأن الاعتقاد هو فى السرائر كامن بين الإنسان وخالقه.. خطورة انقسام البيت الواحد.. ولقد استمعنا منذ أيام «الإثنين ٢٦ ٦٢٠١٧» إلى وزير خارجية ألمانيا يقول: «مطالب دول الحصار- يقصد حصار قطر- مطالب مستنفرة أى مستفزة». أما عضو الكونجرس الأمريكى السيناتور الجمهورى ورئيس لجنة العلاقات الخارجية «بوب كوركير» فيطلب عرقلة أى تعطيل لصفقة السلاح للخليج حتى تحل المشكلة أو الأزمة الخليجية.
الإرهاب ودوافعه.. الإرهاب قد يقترفه فرد لتحقيق أهداف مخالفة للقانون ويريد الانفراد بنتيجتها.. وقد تكون الدوافع دينية أو مذهبية مؤيدة من قيادة دينية أو تعاليم دينية صحيحة كانت أو مغلوطة.. ومظاهر العنف تتدرج من الضغط النفسى أو التسفيه والتحقير بالآخر وإيقاع الظلم والإهانة للآخر حتى تصل إلى القتل الذى يبرره القاتل ببعض الإسنادات التى يستخدم فيها كل وسيلة ممكنة أو غير ممكنة ومن الخطورة بمكان أن يستند القاتل بمبرر دينى أو عقائدى فى الوقت الذى فيه نحاكم أحداثًا دموية وحروبًا نظامية وغير نظامية كانت تستند إلى مبررات وهمية أو عدوانية وأخطرها المبررات الدينية التى يثيرها أرباب المنابر وأصحاب الحناجر ومثيرو العواطف معتمدين على طبيعة شعوبنا العربية التى تؤججها عاطفيا المشاعر والأحاسيس الدينية، وبتشجيع- مع الأسف- من قادة دينيين، مبررين هذا العنف بالجهاد فى سبيل الله دون التفات إلى أى هدر للكرامة حتى الإعلان الجهرى دون حياء بادعاء التكفير الجماعى والتحريض على إراقة دماء المخالفين دينيا أو عقائديا أو مذهبيا.. ومن أنواع الإرهاب ما هو غير المنظم وتقوم به جماعات غير منظمة وتقوم بأعمال التخريب أو بالحض على كراهية الآخر.. ومن الإرهابيين المتحدين فى شكل حزب أو فريق يفتى ويدعو ويحمس الآخرين لكنه يبقى فى الظل والهواء وهو يقدم مطالبه فى شكل وعظى أو إرشادى، وفى واقعه يدعو للتقاتل بدعوى الجهاد فى سبيل الله، كما يحدث الآن فى عدد من الدول العربية.
أما الإرهاب النظامى فتمارسه دول أو منظمات بدعوى الجهاد المقدس.. وتشجع استخدام كل الوسائل مثل العنف والإكراه والسلب والتهديد والقتل.. أما الإرهاب الفكرى فهذا يحدث بأساليب ظاهرها علم ونتائجها إراقة الدماء باستخدام نصوص من خارج النص أو منفصلة عن ظروف عصرها وإلصاقها بنماذج عديدة وسرعة انتشار ما يلقن فى مناهج تعليمية تحض على الكراهية ورفض الآخر بل إحلال دمه، وللأسف تدرس هذه المناهج لجميع الأعمار فى المدارس دون اعتبار لخطورة تأثير هذه المناهج على أولادنا وبناتنا فى مراحل عمرية مبكرة تختزنها الذاكرة دون مراعاة لأسباب وظروف هذه النصوص سواء صادفت حربا أو سلما دون التفات إلى الواقع الذى يكون مغايرا للزمان والمكان.
والنماذج التاريخية التى تخرج من سياقها ومبرراتها كالاتفاق بتكفير أتباع ديانة بعينها أو فكر معين، فالهدف هو أصحاب العقيدة أو المذهب. كما أن الإرهاب الجماعى غير المنظم هو ما تقوم به جماعات غير منظمة تقوم بالتخريب والنهب والسلب والسطو المسلح مع تبريره دينيا أو عقائديا، وفى واقعه هو سلب وجرم. ومن الإرهاب ما يطلق عليه الجهاد فى سبيل الله كما يحدث فى تونس وليبيا وسوريا ومصر والعراق، وكأن الله كلفهم به. والإرهاب الجماعى المنظم هو ما تقوم به جهات تمولها دول وحكومات ومؤسسات وهيئات منظمة. وهم لا ينكرون ما يفعلون لأنه صار عقيدة جهادية واجبة وملزمة.
وبخصوص الإرهاب الدولى.. فتمارسه دولة أو مجموعة من الدول مستخدمة كل الوسائل الفكرية والنفسية والضغوط فى العمل والعنف الجسدى والتهجير القسرى والتخريب والتصفية الجسدية. كما تستخدم إمكاناتها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية مستغلة وسائلها الدبلوماسية والعسكرية بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو ثروات أو احتلال أرض الغير والتوسع فى ذلك، ويعرف هذا بالاحتلال الاستعمارى، وإن كان قد مضى عصره ولم يعد مقبولا دوليا.. ولدينا بعض الأمثلة على الإرهاب الجسدى وما آل إليه: ذبح القسين الفرنسيين بداخل كنيستهما بمنطقة نورماندى الفرنسية.. والإرهاب فى مصر وهو إرهاب بلون واحد دموى كحرق كنيسة القديسين بالإسكندرية بليلة رأس السنة عام ٢٠١٣، حيث قتل ٢٣ وأصيب ٩٧ من الرجال والنساء والأطفال، وحادث كنيسة الوراق فى أكتوبر ٢٠١٣، حيث قتل ثلاثة أفراد فى حفل عروسين لينقلب الفرح إلى مأتم.
ولدينا نموذج صارخ لتفجير الكنيسة البطرسية فى ديسمبر الماضى ٢٠١٦.. وكذلك تفجير كنيسة مارى جرجس فى يوم أحد الشعانين «السعف» ومقتل ثلاثين، وإصابة العشرات.. ثم تفجير الكنيسة بطنطا ومقتل ١١ وإصابة العشرات.. وكذلك مجزرة على الطريق فى اتجاه زيارة أحد الأديرة ومقتل ٢٨ وإصابة ٢٥.. صحيح قد صدر تنديد من الحكومة والأزهر والمفتى ووزير الأوقاف، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد، كما تقوم القوات المسلحة بالاشتراك مع الشرطة فى تتبع المعتدين وسقط من رجالاتها العديد أثناء قيامهم بمسئولياتهم، ويعلن تنظيم داعش مسئوليته دائما. ماذا يقول الكتاب المقدس عن القتل والجرح والتحقير، وهذا ما نتعرض له فى المقال التالى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف