المساء
مؤمن الهباء
مستقبل الصحافة في حريتها
كثرت الدراسات والندوات والمؤتمرات التي تتناول مستقبل الصحافة الورقية في ظل المنافسة الشرسة من جانب وسائل الإعلام الأخري التي جذبت ومازالت تجذب قطاعات جديدة من القراء كل يوم نظرا لسرعة حركتها وقلة تكلفتها. وأهم هذه الوسائل المنافسة المواقع الإخبارية الإلكترونية "الصحافة الرقمية" والقنوات الفضائية التي تنقل الحدث وقت وقوعه. يضاف إلي ذلك أن الصحافة الورقية تعاني من مشكلات متراكمة ومتجددة تتعلق بارتفاع أسعار الورق وتكلفة الطباعة والتوزيع بعد ارتفاع أسعار المواد البترولية.
ومع كل هذه التحديات فهناك إجماع بين الباحثين علي أن الصحافة الورقية لن تندثر ولن ينتهي دورها وتأثيرها. هذا الدور يمكن أن يتطور بالتركيز علي التحليل والمقال بعد أن صار من الصعب أن تنافس في مجال الخبر. ولذلك فإن قضية الصحافة خلال المرحلة القادمة هي قضية المضمون. كلما اهتمت بالمضمون الذي تحمله للقارئ كانت فرصتها في البقاء والنجاح أكثر. ويرتبط المضمون مباشرة بالحرية. فكلما اتسعت مساحة الحرية والتنوع والصدق في مضمون ما تتناوله الصحف كان ارتباط القارئ بها أقوي وتأثره بها أعمق. وكلما خف المضمون وانحصر في صوت واحد ابتعد القارئ وفقد ثقته فيها.
مناسبة هذا الكلام أنني قرأت في يوم واحد تقريرا في جريدة "الجمهورية" ومقالا في صحيفة عكاظ السعودية يتناولان حرية الصحافة من زاويتين مختلفتين. فقد ذكرت "الجمهورية" أن المحكمة الإدارية العليا رفضت الطعن المقدم من شركة لاكتون علي الحكم الصادر ضدها في قضية الألبان الفاسدة كما رفضت طعن الشركة ضد مجموعة من الصحف شاركت في كشف القضية والمتورطين فيها.
وأكدت المحكمة في أسباب رفض الطعن أن حرية الصحافة واستقلالها باتت من المبادئ الأساسية في الأنظمة الديمقراطية الحديثة. وهي تعني حق الشعب في أن يتابع مجريات الحوادث والأفكار وتوجهاتها. فحرية الصحافة امتداد لحرية الشعب. والصحافة تمثل الرقابة الشعبية وتساهم بتأثير قوي في تكوين الرأي العام وتوجيهه. كما أن استقلال الصحافة بات ركنا جوهريا لضمان تعبير الصحافة عن الرأي العام لبسط الحقيقة أمام الشعب وتبصيره بما يجري حوله.
أما مقال عكاظ فقد كتبه الكاتب المعروف حسين شبكشي ويقول فيه إن الصحافة في الغرب يطلق عليها مسمي "السلطة الرابعة" وهي عبارة فيها احترام وتقدير للدور الإعلامي المهم الذي تلعبه الصحافة كأداة مكملة للسلطات الثلاث الأساسية للحكم "السلطة التنفيذية. والسلطة التشريعية. والسلطة القضائية" فهي بالتالي عين المجتمع وضميره والرقيب علي أداء السلطات الثلاث الأخري. هذه هي الصحافة ودورها في المجتمعات المدنية. وهذه المسألة ليست موجودة في العالم العربي حيث الصحف في معظمها تم تأميمها أو تفتيت ملكيتها.
ويضيف شبكشي: إن الحساسية المفرطة والمبالغ فيها للرأي وللكتابة أوجدت جمودا وقوالب في النمط الإعلامي في العالم العربي. وجعلت بالتالي المادة المقدمة هشة وضعيفة وخارج السياق التاريخي والمعاصر إذا ما تمت مقارنتها مع دول أخري حول العالم.
ويختتم الكاتب مقاله بالتأكيد علي أن تحسين الواقع الصحفي لا يقل أهمية عن إصلاح البني التحتية والتعليم والصحة. لأنه بالسماح بالحديث عن مشاكلنا بأنفسنا سنسد الطريق عن حديث الآخرين علينا. وهذا أقل المكاسب.
علي هذا النحو يرتبط مستقبل الصحافة وانطلاقها بقضية الحرية وتطوير مضمونها ليكون بالفعل صوت الجماهير التي لا يسمع لها صوت.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف