منعونا من سماعها.. وكنا نشاهدها كأغنية في فيلم "التلميذة" لشادية بشقاوتها تغني "سونة يا سنسن" للشاعر عبدالوهاب محمد الذي أبدع في تصوير مراهقتها.. فخرجت من المدرسة تجري علي حبيبها وأخرجت من بين الكشاكيل حذاء بكعب عال وغنت "جيت مخصوص بالكعب العالي.. لجل تقول صبحت لايقة لي. جيت مكسوفة لكن ملهوفة وأما ماشفتكش اتخضيت" وتكمل ابنة السادسة عشرة عن طيفه الذي لازمها من المدرسة للبيت وهي تغني لحسن يوسف.
عشت سنوات عرض الأغنية ثم زمن منعها لأنها تخدش الحياء لم تؤثر في الكلمات سلباً بحال.. فبجانبي أم همست في أذني أن هذا لا يليق ببنات الناس. الطيبة وفي البيت أب أطيب من أن أخدعه. وفي المدرسة مدرسة علمتنا أن التلميذة لا تحمل في شنطتها إلا الكتب ولا تلتقي إلا بمن قابل والدها قبلها. وقالت جدتي "المتربي من عند ربي" فآثرني أن أكون ممن شملتهم التربية الرباني.. ومثلي جاراتي والصديقات.. لنا نفس الأخلاقيات والصفات.
دخلت في الصبا فجاءتني فايزة أحمد ونزار قباني ورسالة من امرأة مجهولة "لا تدخلي.. وسددت في وجهي الطريق بمرفقيك وزعمت لي أن الرفاق أتوا إليك.. أهم الرفاق أتوا إليك أم أن سيدة لديك تحتل بعدي ساعديك.. أنا لست أسفة عليك.
لا.. تدخلي
كان جيلنا أكثر براءة ظننت وصديقاتي بالجامعة أنها زوجة.. وحين منعوا إذاعتها عرفنا أنها صديقته التي منعها من دخول بيته لأن لديه صديقة جديدة بالأحري عشيقة.. وكان الأمر تطور من شادية ولقاء وسط زهور حديقة إلي فايزة في البيت ليرسخ في الذهن أن البيوت عيب.. مع أننا أيضاً لم ننتبه لذلك حين استمعنا لفلكلور "علي يا علي يا بتاع الزيت.. حلفتك يا علي لتيجي لي البيت".
لم تكن من السذج.. لكن كان لنا لون أبيض وقلب أخضر.. صنعته أسرة تعرف الأصول وتغدقها علي أولادها في كل كلمة وحرف وعلي كل أكلة وقبل النوم وبعده.. ودعمته مدرسة.. المدرس فيها موقن بأن رسالته تربية قبل تعليم.. ومنه نتلقي دروساً في الصدق والأمانة والكرام.. فغنينا بجانب كل الأغاني وطني وصبايا وأحلامي.. ورضا أمي وحنان أبي.. وخطا ولدي عن اللعب يخطو برجاء بسام.. أحببنا بلدنا.. وبيتنا وأهلنا وكان لكل مسلسل وفيلم وبرنامج غاية وفكرة.. وعظة وعبرة.
واحدة.. واحدة.. تغيرت المعالم.. لم تخلع الملابس خلعنا الأخطر.. "برقع الحياء".. والحياء شعبة من شعب الإيمان.. وإذا لم تستح فافعل ما شئت.. وقد فعلوا ما شاءوا.. وغيروا طبيعة الشعب الطيب.. لم يعد الشارع هادئاً ولا الناس راضية.. والغالبية خايفة من بكرة.. افتقدنا الاطمئنان.. الذي قال عنه الخالق سبحانه "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" صدق الله العظيم.
سموم علي الشاشة
خسارة لم تعد من أهل الاطمئنان.. وابتعد طريق الجنة.. حين دخل عفاريت المال.. بثوا سموماً.. زادوا من سقف التطلعات كل يوم يلقون علينا بنماذج ثراء يربطونه بالسعادة. والمصيبة بالانحراف بدأوا بالسينما ثم دخلوا علي البيوت بمسلسلات وكلام في برامج وإعلانات والقصور لا تحلو إلا بحلوه تتمختر بملابس لا نعرفها.. والعطر لا يكون إلا في يد مجموعة من الفاتنات العاريات.
وتكرار النموذج حوله إلي نمط مطلوب.. وأفرز شبق البنات للتقليد.. لتأتي الخطوة الثانية الكل علي الشاشة يلقنك كيف تأتي البطلة بالمال.. من حرام.. وكان هناك شبه إجماع علي أن الأمتع فنياً رواية انحلال ومخدرات وبلطجة.
وللرجل نصيحة مستترة أو معلنة.. لن تصل لفتاة أحلامك إلا بالمال.. شطبوا علي الأخلاق والرجولة وحتي الحب.
كود أخلاق
وفي محاولة جادة لإعادة بث القيم قامت لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة بطرح كود أخلاقي لمعالجة القضايا في وسائل الإعلام مع التركيز علي المرأة. كميثاق شرف لضمان نزاهة ممارسة المهنة ولتقديم إعلام أفضل للحد من التجاوزات التي صارت منتشرة في الأعمال الفنية.. والأمل في تفعيل هذا الجهد للوصول إلي مجتمع متوازن.. وبشر يلعبون دورهم الحقيقي في الحياة.