بوابة الشروق
مصطفى النجار
هل انتصرت الدولة فى غزوة الوراق؟
تحت عنوان مسيرة لأهالى الوراق اعتراضًا على منع دخول «الأنابيب والدقيق» نشرت بوابة المصرى اليوم فجر الأربعاء هذا الخبر ( نظم العشرات من أهالى جزيرة الوراق، الثلاثاء، مسيرة ليلية طافت شوارع الجزيرة، اعتراضًا على منع دخول سيارات أنابيب الغاز وأجولة الدقيق إلى الجزيرة، وردد الأهالى هتافات رافضة لمنع دخول بعض أساسيات الحياة إلى الجزيرة، وقال أحد شباب الجزيرة، إنهم فوجئوا بقوات الأمن الموجودة قرب الخمس معديات المخصصة للجزيرة، تمنع سيارات نقل البضائع وأنابيب الغاز من الدخول إليهم، وأضاف أنه فوجئ أيضا بتحديد مواعيد عمل المعديات من الساعة السادسة صباحا وحتى الثانية عشرة ليلا، وهى التى كانت تعمل على مدار الـ24 ساعة، مشيرا إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الأهالى يعملون خارج الجزيرة فى ورديات ليلية تنتهى بعد الثانية عشرة ليلا، ما يعنى عدم تمكنهم من دخول الجزيرة حتى السادسة صباحا).
تعيد التدقيق فى هذا الخبر وتتساءل هل الخبر يخص حى الوراق الشعبى المصرى بالفعل؟ هل هذا حصار غذائى وقطع لأرزاق الناس للضغط عليهم عبر تعسير ظروف حياتهم اليومية كى يذعنوا لما تريده الحكومة من إخلاء للجزيرة التى يتردد الحديث حول النية لبيعها لمستثمر عربى لإقامة مشروع سكنى سياحى فاخر؟ يطلبون منك الصمت والتعامل مع الأمر على أنه قضية إنفاذ للقانون بعد اتهام سكان الوراق أنهم لا حق لهم فى بيوتهم وفى أرضهم وأنهم مغتصبون لها بالقوة!
تطالع تصريح السيد/ يحيى المغربى رئيس المجلس الشعبى المحلى السابق لجزيرة الوراق إن ما حدث فى الجزيرة يوم الأحد «يشبه الغزو» لمحاصرة قوات الأمن لها من كل شواطئها، مضيفا أن الجزيرة ملكية خاصة للمواطنين بمساحة 1800 فدان ويوجد منها 60 فدانا أملاك دولة، عبارة عن 30 فدانًا ملكا للأوقاف ومؤجرة لمواطنين بعقود رسمية، و25 فدانًا يزرعها المواطنون بعقود حق انتفاع من هيئة التنمية الزراعية بوزارة الزراعة، و5 أفدنة بها مبانٍ سكنية وبها نحو 2500 مواطن، وأضاف «المغربى» أن الدولة من حقها استرداد 60 فدانًا، ولكن لابد من تعويض المواطنين المقيمين فى الجزيرة وتوفير بديل لهم، وليس طردهم وإزالة مساكنهم. وأوضح أنه تم إزالة 3 منازل «بالعفش بتاعهم»، وليس كما يقولون نزيل المساكن غير المأهولة بالسكان).
***
مأساة جديدة وفصل بائس فى مسلسل احتقار الناس ومعاملتهم بمنطق القوة والإجبار والاتهام المرسل، حتى نقطع الطريق على المزايدة والاتهام بدعم الفوضى والخروج على القانون نؤكد أن القانون يجب أن يطبق على الجميع ولا يجب إقرار مغتصب لحق فرد أو دولة على اغتصابه، هذا بديهى ولا جدال فيه، لكن هناك أسئلة تطرح نفسها وتحتاج لإجابات واضحة، هل لدى الحكومة ملف قانونى شامل به حصر للملكيات وأنواعها بالوراق؟ هل لدى الحكومة علم بالأحكام القضائية التى صدرت من القضاء تؤكد حقهم فى البقاء فى مساكنهم؟ هل قامت الحكومة بعمل حملة تمهيد وتفاوض مع الأهالى لشرح القضية والوصول لحلول وسط تكون مرضية للناس إذا كان الهدف هو الإخلاء لصالح عمل مشروع استثمارى بالفعل؟ هل أنذرت الحكومة الناس بإخلاء منازلهم قبل التوجه لهدمها؟ هل تعرف الحكومة أن هناك ما يزيد على 100 ألف مصرى يقيمون فى الوراق؟ هل تعرف الحكومة عاقبة التدخل بالقوة فى منطقة مثل هذه مما سيسفر عن مذبحة جديدة تُدخل مصر فى أتون العنف ونار الانتقام؟ من الذى وافته كل هذه الجرأة لأخذ هذا القرار؟ ومن الذى يقرر حتى الآن حصار جزيرة الوراق ومنع الدقيق عنها وأنابيب البوتاجاز؟ من الذى يُسعر حربا لا قبل لأحد بها؟ من الذى يُصر على حرق هذا الوطن وجعله مجموعة من بؤر التوتر والانفجار العشوائى؟
وسط هذه الأزمة يخرج وزير الرى قائلا فى تصريح غريب قائلا (إن الدولة اتخذت إجراء استباقيا فى جزيرة الوراق بهدف حماية الأهالى المقيمين فيها لتجنب الغرق عند ارتفاع منسوب المياه فى النيل، مشيرًا إلى أن هناك مسافة قدرها 30 مترا لابد أن تكون خالية حتى لا تتدفق مياه النيل أو يحدث فيضان وتضار هذه المنازل).
حالة مستمرة من التخبط والعشوائية والمقامرة بعواقب مغامرة تعتمد على فرد العضلات ووضع الأمن فى مواجهة الناس لحل مشكلة إدارية واجتماعية لا يمكن أن تكون عصا الأمن وبنادقه هى الحل فيها، هذا التحرك الكبير الذى وصفه البعض بـ(موقعة تحرير الوراق) لم يقابله تحرك ضد شركات ومنتجعات الأغنياء الذين حصلوا على أراض شاسعة بتراب الفلوس كما يقولون وبنوا عليها كومباندات ومنتجعات باعوها بمبالغ باهظة ولم يدفعوا فرق أسعار الأراضى حتى يومنا هذا، نستقوى على الفقراء ونُظهر فى مواجهتهم كل مظاهر القوة بينما تتباطأ أقدامنا إذا كانت الوجهة نحو المسنودين والكبار، هذه هى الحقيقة التى لا بد أن نصارح أنفسنا بها وألا ندفن رءوسنا فى الرمال ونقول كلاما للمجاملات والتبريرات الفارغة.
***
يا أهل السلطة إثبتوا أولا أن أهالى الوراق مغتصبون للأرض ولا حق لهم فيها، وإذا ثبت ذلك فأقيموا عليهم الحجة وعاملوهم بإنسانية ورقىٍّ، أمهلوهم ووفروا لهم البدائل التى تليق بإنسانيتهم وأعلنوا هذا للرأى العام ولا تخرسوا أصواتهم بالاعتقال ولا بالحصار ولا بقنابل الغاز، اذا استطعتم إثبات ذلك عن حق فهذا حديث آخر، لكن كيف الحال ومع الناس ما يثبت ملكيتهم وحقوقهم فى الأرض والبيوت؟ لماذا تتكتمون عن المستثمر الذى سيشترى الجزيرة؟ وما الهدف من خلق حرب شوارع أصيب فيها عشرات الأفراد من الشرطة وسالت دماء شاب بلا جرم ارتكبه؟
من العار أن نعامل جزءا من أهلنا المصريين كمجرمين نطاردهم بالغاز والرصاص ومن البؤس أن تنبت مشاعر انتقام فى نفوس رجال وشباب الوراق الذين يرون أنهم محاصرون من كل الجهات على يد حكومتهم التى يجب أن تحل مشاكلهم بدلا من إعلان الحرب عليهم لإخلاء الجزيرة.
نحن فى كابوس بشع وسيناريو بائس لا يستطيع أكثر الناس سلبية تخيل إمكانية حدوثه، ولكنه حدث بالفعل! مناشدات إعمال العقل ومراجعة الذات صارت عبثية، كلما انطفأت نار أشعل هؤلاء غيرها، فليحمى الله وطننا من كل سوء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف