الدستور
كمال الهلباوى
العمل الصالح «2-4»
ذكرنا فى المقال السابق بعض ثمرات العمل الصالح التى تعود على صاحبها بالخير فى الدنيا والآخرة منها دخول الجنة وما فيها من نعيم مقيم، ورضوان من الله أكبر، والنظر إلى وجهه الكريم، ومنها الحياة الطيبة للعبد، ومنها الجزاء الحسن وتكفير السيئات وحصول النجاح والفلاح «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ»، والنجاة مما يرهبه العبد فى الدنيا، ومنها حصول الهداية للمؤمنين، ونيل محبة الله سبحانه وتعالى، والفوز برضاه، ومنها محبة الخلق، ومنها صلاح أحوال العبد فى الدارين، ومنها حفظ الأهل والذرية، ومنها إجابة الدعاء وتفريج الكربات، ومنها الخلافة فى الأرض «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ»، وحلول الأمن بعد الخوف، ومنها استمرار الأجر. ولا يستطيع أحد أن يعدد ثمرات العمل الصالح، لأن منها ما كان أجره على الله تعالى مثل الصيام أو فضيلة الصبر.
ومن ثمرات العمل الصالح تسليم المسلمين فى كل صلاة على العبد الذى يعمل الأعمال الصالحة؛ فعن عبد الله بن مسعود، رضى الله عنه، قال: «كُنَّا إذا صَلَّينا خلفَ النبى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُلْنا: السلامُ علَى جِبريلَ وميكائِيلَ، السلامُ علَى فُلانٍ وفُلانٍ، فالتَفَتَ إلَينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنَّ اللهَ هو السلامُ، فإذا صلَّى أحدُكم فليَقُل: التَّحيَّاتُ للهِ والصلواتُ والطَّيِّباتُ، السلامُ عليك أيُّها النبى ورَحمَةُ اللهِ وبرَكاتُهُ، السلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ، فإنَّكم إذا قُلْتُموها، أصابَت كُلَّ عبدٍ لِلهِ صالِحٍ فى السماءِ والأرضِ، أشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُه».
إن العمل الصالح هو الطريق إلى الجنة بعد الإيمان. يقسم الله تعالى بالعصر فيقول فى كتابه العزيز: «وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ». وهنا أيها القارئ الكريم يشير سبحانه وتعالى إلى الخسران المنتشر بين الناس «بين بنى البشر جميعًا»، ولكنه تعالى استثنى من ذلك فئة عظيمة مستقيمة، حيث جاء فى هذه الآية القصيرة المليئة بالمعانى الغزيرة والإشارات المطمئنة لمن يعملون الصالحات «إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ».
ومن الأعمال الصالحة التى وردت فيها الأحاديث الصحيحة وجاء ذكرها فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أحدهما أو كليهما: أداء الحج والعمرة، الصيام، خاصة يوم عرفة لمن لم يكن حاجًا، لأن الله تعالى من رحمته يستحى أن يجمع على عبده مشقتين فى يوم واحد «الوقوف بعرفة والصيام معا»، فهو يكفّر سنة قبله وسنة بعده، التكبير والتهليل والتحميد وذكر الله تعالى، قراءة القرآن، الصدقة، صلة الأرحام، اتباع الجنائز، عيادة المرضى، الدعوة إلى الله، الأضحية، أعمال الإغاثة كلها مهما كانت صغيرة. يقول صلى الله عليه وسلم «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»، لأن الكلمة الطيبة صدقة، وهى قول ولكنها من العمل الصالح. ويقول صلى الله عليه وسلم «إن فى كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ» فهذا الحديث من الأحاديث الدالة على كثرة طرق الخير، وهو عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذى كان بلغ منى، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: ى. رسول الله وإن لنا فى هذه البهائم لأجرًا؟ فقال: فى كل كبد رطبة أجر». رواه البخارى ومسلم.
والعمل الصالح الذى نتحدث عنه هنا هو الذى سبقته النية إلى مرضاة الله تبارك وتعالى، وجاء وفق الشرع الحنيف والسنة النبوية المطهرة.
انظر أيها القارئ فى قوله تعالى: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا».
يشمل العمل الصالح، بل يأتى فى مقدمته جميع ما أمر الله تعالى الأنبياء والعباد بعمله، سواء كان واجبًا أو مندوبًا أو مستحبًا، وفى مقدمة ذلك أركان الإسلام الخمسة، ومنها الشهادتان والصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج، ثم الاعتمار والنوافل المتعلقة بهذه الفرائض أو غيرها. ومن ثمرات هذه الأعمال الصالحة تزكية النفس وتطهيرها، من كل ما هو ذميم كالشح والبخل ومحبة الدنيا، والحسد وكراهية خلق الله، والغيبة والنميمة والظلم، بل جميع أنواع المعاصى، وما أمر الله تعالى العباد باجتنابه أو الابتعاد عنه وهجره «هجر كل ما نهى الله عنه».
ولا يخفى على عاقل أن يدرك ثمرات الطاعة أو أداء العبادات وإحسان المعاملات، ليس على الفرد فحسب، بل المجتمع الإنسانى كله.
ومن الأعمال الصالحة معاونة كل ذوى حاجة إلى العون، خصوصًا ذوى الحاجات الخاصة «وللسائل وإن جاء على فرس»، والإقلاع عن أو الابتعاد عن كل ما يقود إلى المعاصى أو الإضرار بالناس «كل الناس» أو المجتمع. وإذا كانت الكلمة الطيبة صدقة، كما جاء فى الحديث، فإن العمل الصالح يشمل كل شىء حسن يفعله الإنسان بنية خالصة، وفى ذلك زكاة «أى تزكية» وتطهير للنفس وإشباع حاجات المجتمع، وسعى إلى الخروج من كل ما هو شر وإثم، بل تخلف.
ومن الأعمال الصالحة، فضلًا عن الفرائض والنوافل المشهورة، بر الوالدين ورعايتهما عند الكبر، ومن الأعمال الصالحة المفتقدة، اليوم، الإحسان إلى المرأة وحسن تربيتها لتقوم بمهامها خير قيام، سواء أكانت أمًا أم بنتًا أم أختًا أم زوجة، ومن الأعمال الصالحة الحب فى الله والبغض فى الله، والجهاد فى سبيل الله، ولذلك شروط لا يعرفها الدواعش وكل من كان على شاكلتهم.
ومن الأعمال الصالحة قراءة القرآن والمداومة عليها، والمداومة على الطاعات واجتناب المعاصى، وأداء الأمانات إلى أهلها، والعفو عن الناس عند المقدرة، والصدق فى الحديث، والإنفاق فى سبيل الله تعالى «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ»، أى ما زاد عن الحاجة فأين نحن من ذلك؟! ومن الأعمال الصالحة تفقد الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين وبناء دور العبادة وإطعام الطعام وإفشاء السلام. أما إقامة العدل بين الناس فهى من أهم الأعمال الصالحة، وبدون العدل ينتشر الظلم ويكثر الفساد بين الناس. وللحديث صلة. وبالله التوفيق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف