د. محمد عفيفى
23 يوليو 52: ثورة؟ انقلاب؟ مؤامرة؟
ضحكت كثيرًا عندما سمعت نفس الكلام يتردد بعد ثورتى ٢٥ يناير - ٣٠ يونيو، هل هما ثورة؟ أم انقلاب؟ لا، بل مؤامرة!. كان السبب وراء الضحك أننى سمعت نفس الحديث يتردد حول ٢٣ يوليو ١٩٥٢، بل لا أكتمكم القول إن ذلك تردد بشأن ثورة ١٩١٩، إذ تعجلت التقارير البريطانية فى الحكم على ثورة ١٩ فى بدايتها ورأت أنه ربما تكون هناك مؤامرة سوفيتية «شيوعية» وراء الأحداث، لا سيما مع إعلان بعض المدن المصرية استقلالها، وإنشاء جمهوريات، مثل زفتى وبعض مدن المنيا!!.
عودة مرة أخرى إلى ٢٣ يوليو، التى تهل علينا ذكراها هذه الأيام، الحق أن الضباط الأحرار كانوا أكثر واقعية فى توصيف ما قاموا به فى البداية، إذ وصفوها بأنها «حركة الجيش». وبعد النجاح السريع والمبهر للحركة وإبعاد الملك فاروق عن الحكم، قيل عن الحركة «الحركة المباركة»، هذا الوصف الذى أصبح المانشيت الرئيسى فى صحف تلك الأيام.
ولم يتغير توصيف ٢٣ يوليو من «الحركة المباركة» إلى «الثورة» إلا بعد عدة أسابيع. والجدير بالملاحظة أن بعض القوى المدنية هى أول من استخدم مصطلح «الثورة»، وليس الضباط الأحرار، حتى إن البعض رأى أن هذه القوى المدنية أطلقت هذا المصطلح «الثورة» تزلفًا ورياءً للضباط الأحرار، وليس كنتيجة طبيعية للمتغيرات السياسية والاجتماعية التى حدثت فى مصر بعد ٢٣ يوليو.
من ناحيةٍ أخرى التزمت القوى القديمة، وعلى رأسها حزب الوفد، موقف الترقب والحياد فى بداية الأحداث، ثم أعلنت ترحيبها بـ«حركة الجيش»، وسعادتها بإعلان الجيش رغبته فى العودة إلى ثكناته، وترك الحكم للقوى المدنية.
لكن هذه القوى ستقف موقف المعارضة للضباط الأحرار، وتغير موقفها من حركة الجيش، لا سيما مع إعلان إلغاء الأحزاب، وستصف ما حدث بأنه انقلاب عسكرى على الشرعية وإرادة الأمة.
ومن الثابت حدوث اتصالات سرية بين الضباط الأحرار وحركة الإخوان المسلمين قبيل ٢٣ يوليو، لا سيما مع وجود ضباط ينتمون إلى الإخوان فى مجلس قيادة الثورة. ودفع ذلك الإخوان إلى الظن بأن ٢٣ يوليو هى ثورة إخوانية، حتى إن مَن يُطالع الأحداث فى الصحافة المصرية من ٥٢ إلى ١٩٥٤ يشعر بأن الإخوان قد أصبحوا القوة السياسية الأولى فى الساحة المصرية. وعلى هذا كان الصراع على السلطة أمرًا واقعًا، وكانت الضربة الكبرى للإخوان فى ١٩٥٤، ووصف الإخوان لما حدث فى ٥٤ بأنه انقلاب!!.
وتباينت مواقف التيارات الشيوعية فى مصر من ٢٣ يوليو، وهى التيارات التى نشطت بشدة فى مصر بعد الحرب العالمية الثانية، رغم قدم الحركة فى مصر، حتى إن بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا من الشيوعيين، ولا ننسى موقف يوسف صديق أول من نزل بقواته إلى القاهرة ليلة ٢٣ يوليو. ورأت بعض القوى اليسارية أن هناك شهر عسل بين مجلس قيادة الثورة والإخوان المسلمين، وأن مشاريع الإصلاح الزراعى وغيرها هى مشاريع إصلاحية وليست اشتراكية، وأن الصدام المبكر مع حركة العمال وإعدام خميس والبقرى كان اختيارًا رجعيًا مبكرًا، وأن حركة ٢٣ يوليو أصبحت ضد الديمقراطية، وأقرب ما تكون إلى الانقلاب العسكرى، وهذا يفسر الصدام المزمن بين عبدالناصر واليسار المصرى.
من ناحيةٍ أخرى رأى البعض أن ٢٣ يوليو ١٩٥٢ هى مؤامرة و«صناعة أمريكية» للحيلولة دون استمرار حزب الوفد فى الحكم، أو خشية تطور الأزمة الاجتماعية فى مصر إلى ثورة شيوعية لا ترضى عنها أمريكا فى زمن الحرب الباردة. وأكد هؤلاء الاتصالات السرية بين الضباط الأحرار والسفارة الأمريكية فى القاهرة قبيل ٢٣ يوليو، وبالغ هؤلاء أيضًا فى طبيعة شهر العسل القصير بين ٢٣ يوليو وأمريكا بعد ١٩٥٢، وهى فى الحقيقة مبالغات نتيجة السقوط فى نظرية المؤامرة، وعدم الالتفات إلى الحراك الوطنى فى مصر من ١٩٤٦ حتى ١٩٥٢.
هكذا نرى أن التوصيفات المقولبة «ثورة» «انقلاب» «مؤامرة»، هى مسألة أيديولوجية بحتة تعبِّر عن موقفك السياسى وموقعك الاجتماعى من الحدث، فبماذا ستصف ٢٣ يوليو ١٩٥٢ أيها القارئ الكريم؟.