الأهرام
عبد الغفار شكر
لماذا لا تستفيد حكومتنا من الدرس؟
شهدت مصر خلال مرحلة السبعينات تصاعد أعمال الاحتجاج الجماعى الذى يقصد منه مختلف أشكال الممارسات الجماعية السلمية التى ترمى إلى إعلان عدم الرضا والسخط إزاء النظام السياسى، ومن أهم أشكال الاحتجاج الجماعى المظاهرات والإضرابات والانتفاضات الشعبية السلمية، وفى هذه الفترة شهدت مصر موجة من الإضرابات والمظاهرات الطلابية شملت العديد من الانتفاضات الطلابية فى الجامعات المصرية أعوام 1971-1973 التى طرحت خلالها مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية تدور حول المطالبة بتحقيق مزيد من الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية وبناء اقتصاد الحرب ووضع حد أعلى للأجور وتحميل أصحاب الدخول العليا العبء الأساسى فى المعركة ورفض توظيف رؤوس الأموال الأجنبية فى مصر، وخرجت المظاهرات الطلابية إلى شوارع المدن الكبرى حيث شارك فيها عشرات الألوف من الطلاب، وصدرت بيانات من المثقفين تؤيد الانتفاضات الطلابية، كما تزامنت معها إضرابات ومظاهرات عمالية فى نفس الفترة رفعت شعارات ديمقراطية ووطنية بالإضافة إلى مطالب اقتصادية وحدثت مواجهة دامية بين الطلاب والعمال وقوات الأمن كان لها تأثيرها على استقرار المجتمع وقدم للمحاكمة 102 طالب ومثقف وعامل بتهمة إذاعة بيانات وأخبار وإشاعات كاذبة وبث دعاية مثيرة من شأنها تهديد الأمن العام، بالإضافة إلى تهمة تكوين تنظيمات سرية معادية لنظام الحكم. وكان لتصاعد أشكال الاحتجاج الجماعى الطلابية والعمالية ومساندة المثقفين لهم أثر كبير فى معاناة المجتمع من عدم الاستقرار والاحتقان السياسى.

استمرت مظاهر الاحتجاج الجماعى السلمى بعد حرب أكتوبر 1973 حيث شهدت البلاد سلسلة من الإضرابات والمظاهرات العمالية أعوام 1975، 1976 شارك فيها عشرات الألوف من العمال فى المناطق الصناعية بحلوان والمحلة الكبرى وهيئة النقل العام بالقاهرة تطرح مطالب اقتصادية وتتصدى للسياسات الاقتصادية الجديدة للاتجاه نحو اقتصاد السوق التى بدأت مقدماتها بصدور قانون استثمار رأس المال العربى والأجنبى عام 1974. ووصلت أعمال الاحتجاج الجماعى السلمى ذروتها فى انتفاضة 18، 19 يناير 1977 فى مواجهة قرار الحكومة برفع أسعار السلع الضرورية، حيث شملت التحركات الجماهيرية الاحتجاجية جميع محافظات الجمهورية وشارك فيها دوائر واسعة من المواطنين من العمال والطلاب والفئات الوسطى والمثقفين الذين رفعوا شعارات اقتصادية وسياسية تندد بغياب الحريات. واتهمت الحكومة المعارضة اليسارية بتدبير هذه الانتفاضة، وقدمت 176 مواطنا من القيادات اليسارية المعارضة إلى المحاكمة فيما عرف فى ذلك الوقت باسم قضية التنظيمات الكبرى، حيث وجهت إلى المتهمين تهم الانتماء إلى تنظيمات سرية معادية لنظام الحكم ترمى إلى قلب النظم الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة. ولكن المحكمة برأت هؤلاء المتهمين جميعا من هذه التهم.

وإلى جوار الاحتجاج السلمى بدأت بوادر ممارسة العنف السياسى وأعمال الإرهاب منذ عام 1977 باغتيال وزير الأوقاف. إن ظهور العنف على حافة النظام السياسى المصرى يرجع، قبل كل شئ، إلى أن قلب هذا النظام لم يعد يعمل. ونحن لا نبالغ إذا قلنا إن القمع البوليسى واستخدام القانون كأداة ضد القوى السياسية، يحل بصورة متزايدة محل التنظيم البرلمانى بصفة خاصة، والمؤسسى بصفة عامة. ولابد لهذا الوضع من أن يؤدى حتما إلى ظهور العنف فى الممارسات عند الهوامش الأكثر تطرفا فى الأرضية السياسية. وتؤكد دراسة حول العنف السياسى والعوامل السكانية فى مصر إلى أن الإخفاق التنموى فى مصر هو من العوامل المسببة للعنف السياسى وخاصة: التضخم، والبطالة وانخفاض مستوى معيشة نسبة كبيرة من المواطنين، وارتفاع الأسعار بشكل لا يتناسب مع زيادة الأجور، وتفاقم مشاكل المواصلات والإسكان، واتساع الفوارق بين الطبقات، والاستهلاك الترفى لقلة معينة، وتضخيم موجة الهجرة الريفية إلى القاهرة والمدن الكبرى، وعجز أجهزة الإنتاج والخدمات عن استيعاب هذه الهجرة مما أدى إلى تجمع السكان فى مناطق عشوائية فى أطراف المدن تسودها ظروف معيشية بائسة من شأنها أن تهيئ الظروف للعمل السياسى العنيف.

من يتابع اليوم ما يجرى فى مصر من تطورات أهمها تنفيذ ما يسمى بالاصلاح الاقتصادى دون مراعاة كاملة لتحقيق العدالة لأصحاب الدخول الثابتة والفئات الكادحة والمهمشة يحتم أهمية قيام الدولة بدراسة تجربة السبعينات وما انتهت اليه من القطيعة بين الشعب والنظام لاستخلاص الدروس المناسبة استنادا الى اسس الديمقراطية والعدالة طبقا لما جاء فى دستور 2014 والا فان ما حدث فى السبعينات ليس ببعيد فهل تستوعب السلطات الحاكمة الدرس ام انها ستعيد التجربة مرة اخرى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف