الأهرام
د . رفعت السعيد
عن المجتمع المدنى (2-2) محاولة لفهم متكامل
ونأتى إلى ما نحن فيه وكيف استثمر الغرب الامبريالى هذه الجمعيات ففى دول العالم الثالث وتحديدا فى الدول حديثة الاستقلال تكونت انواع مختلفة من أنظمة الحكم بعضها مدنى جرى تطعيمه بنزعة دينية يتستر بها الحاكم ويتخذها اداة للتحكم غير الديمقراطى مثل شعار «دولة العلم والايمان» الذى نادى به السادات وأدى إلى نشوء جماعات جديدة ذات نزعة متأسلمة تزعم انها تأتمر بأوامر السماء، ومن ثم تريد أن تحكم باسم بالسماء وبالمقابل وقع ما يمكن تسميته بعملية «تبادل الازياء» فالجنوب الذى تجسدت آلياته الحاكمة فى صورة الدولة الوطنية الناهضة التى تحاذر من الوقوع من جديد فى مصيدة «الامبريالية الجديدة» وتعلن رفضها للتدخل الأجنبى (الامبريالى بالأساس) والتى ترتكب فى كثير من الاحيان اخطاء تتعلق بالديمقراطية أو حرية القوى المعارضة فى التعبير والقول والفعل وهنا تتبدى الامبريالية الجديدة فى ثياب مصطنعة لتدافع عما تسميه الديمقراطية معلنة مسئوليتها العالمية عن تلقين هؤلاء الحكام أصول وقواعد الديمقراطية وحقوق الانسان متخذة من ذلك سبيلا للتدخل واكتساب نفوذ داخلى وتجنيد عملاء تستخدمهم فى فرض إرادتها على هؤلاء الحكام. وهكذا تأتى الامبريالية المتوحشة والتى تسعى نحو مزيد من النفوذ والاستغلال والسيطرة مستندة إلى من تطويهم تحت جناحها من أصحاب بوتيكات منظمات المجتمع المدني.

وكان كل ما سبق محاولة لتفسير ما يمكن تسميته مسألة «التمويل الاجنبي» والحقيقة أن الإمبريالية الغربية المتوحشة لا تدفع مليما واحدا إلا لتحقيق كسب او حتى فى أحسن الاحوال للتمويه على عمليات تمويل اخرى لجماعات تمثل احصنة طروادة التى تخترق بها جسد المجتمع.

وهكذا نرى كيف نمت كالفطر مئات بل آلاف من جمعيات المجتمع المدنى التى تعتمد على تمويل غربى لا يمكن فهم دوافعه إلا بالرجوع إلى فكرة تبادل الأزياء. ولسنا وبكل وضوح ندين كل أصحاب الجمعيات الاهلية، وانما نقول لهم من ليس حصان طروادة هو ستار دون أن يدرى لحصان طروادة. وهناك آلاف من احصنة طروادة تستخدم لارباك الوضع والتدخل غيرالمبرر فى شئوننا.. وأود أن نتأمل معا.

لماذا يحدث تغير ومثير للدهشة فى الوضع الاجتماعى لاصحاب «بيزنس» الجمعيات الاهلية، انا مثلا اعرف كثيرين منهم بدأوا فى حالة متواضعة جدا تدنو بهم من مستوى الفقر المدقع فإذا بهم وخلال فترة وجيزة يتمخطرون بسيارات مرسيدس أو أغلى ثمنا من المرسيدس ويقيمون فى فيلات فاخرة ويدخنون سيجارا غالى الثمن.

ولماذا تنتفض الامبريالية الحديثة غضبا وعصبية عندما يقوم النظام بلمس احد اصحاب بوتيكات المجتمع المدنى ويحضر سفراؤهم المحاكمات فى استخفاف بقضاتنا ويتدخلون على اعلى مستوى للدفاع حتى عمن يرتكبون جرائم غليظة منهم، مثل ذلك الفتى (المسكين - وهو مسكين فعلا بسبب اندفاعه) الذى أحرق عن عمد متعمد وتباهى بعدها بأنه احرق المجمع العلمى فأحرق معه كنوزا لا تقدر بثمن، ثم يذهب للمحاكمة فيشتم القاضى بألفاظ بذيئة فيسجنه القاضى ويستأنف محاموه الحكم فيذهب لشتم القاضى مرة ثانية فيحكم عليه ثانية. هل تصدقون أن هذا الفتى كانت شركة كوكاكولا العالمية تردد اسمه فى اعلاناتها وأن أوباما شخصيا تدخل للمطالبة بالافراج عنه، ولست اعتقد أن أى رئيس يمكنه إلغاء أحكام كتلك التى صدرت ضده، والا فبماذا يبرر مثلا للقضاة انه إفرج عمن سبهم بأبشع سباب.

وفى الأيام الأخيرة تجسد أمام العالم نموذج فريد لأحصنة طروادة اقامها الملياردير سورس فى المجر ومولهم واتخم جيوبهم بالرشاوى ثم وإذ أراد رئيس الوزراء أوربان أن يتخلص من النفوذ الذى يفرضه سورس صاح فيهم سورس وعلنا انتفضوا ضد اوربان وتشتعل معارك ضارية ودامية.

اخيرا هذه أحصنة طروادة التى اعتقد انه من الضرورى ومن الصائب سؤالها من أين؟ وكيف؟ ولماذا؟ والتى تخفى بتمويلها غير النظيف وغير الأخلاقى وغير الوطنى حسنات اصحاب النوايا الحسنة والعاملين باخلاص ودون تربح فى الجمعيات الاهلية.

ولهذا احذر ونحن نناقش حالات التباكى على الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان من الاندفاع فى الدفاع دون تمييز، فإن علينا أن نمايز وأن نفرق وبحرص شديد بين من افتتح بوتيكا وحول حقوق الانسان والدفاع عنها إلى بيزنس شديد الربحية وبين أصحاب النوايا الحسنة الذين يريدون فعلا وحقا الدفاع عن حقوق لمواطنين وآمال لمصريين من مصريين شرفاء ودون تربح أو تسول.. احذر لا تخلطوا بين هذا وذاك واتركوا القانون ليمنع اللصوص وأحصنة طروادة ودافعوا وفقط عن الشرفاء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف