ليست الغرابة، كما ركّزت بعض الصحف والمواقع، فى أن امرأة هى التى تزعمت عملية فساد كبرى، لأنه بمجرد الضغط على زر الإنترنت سوف تنهمر قضايا فساد أثبتت فيها المرأة المصرية أنها لا تقلّ جسارة عن الرجل فى هذا المضمار! ولم تكن الغرابة فى أن العدوان على مال عام، فهذه موضة لم تنقطع فى مصر. ولا أن المبالغ المستولَى عليها وصلت إلى 331 مليون جنيه، لأنه لا تزال هناك مسافة عن الأرقام القياسية التى تُعدّ بالمليارات. باختصار، الجديد، ووفق الأخبار المنشورة، هو أن الجريمة لم تُكتَشَف بفضل إحكام الإجراءات التى يُلزِم بها القانون فى مراقبة المال العام، وإنما، وفقط، بسبب أعراض الثراء التى بدت على المتهمين، الذين ظهروا بصورة أصحاب الملايين بما لا يتفق مع دخولهم المشروعة! وهنا تكمن الغرابة: هل إذا كانوا وضعوا المنهوبات تحت البلاطة لما حامت حولهم شبهات، ولما تمكنت أجهزة الدولة من التوصل إليهم؟!
هل يمكن، بهذه البساطة، أن تتمكن مديرة إحدى الإدارات التعليمية لها صلاحيات التوقيع على الشيكات، أن تصرف مبالغ على دفعات بمئات الملايين من الجنيهات، وأن تصل أعداد الشيكات إلى 578 شيكاً، أى 578 مرة، لصالح من ليست لهم أى علاقة بالمهام التى تُصرَف من أجلها الأموال، وأن يتحصلوا على الأموال بسلاسة ويسلموها لها، وأن تعطيهم أنصبتهم، وأن تعمل على غسل الأموال بشراء عقارات ومنقولات والمساهمة فى عدة شركات، وإيداع المال السائل بأسماء أقربائها، وأن يستمر هذا لزمن غير معلوم حتى الآن، ثم لا تقع إلا بسبب المظاهر التى بدت عليها؟ فهل هو نقص فى التشريعات التى تضبط الإجراءات؟ أم هو خلل فى تطبيق الإجراءات؟ أم هو تقاعس فى الأداء؟ أم هو مشارَكة عمدية بالتغافل؟ أم هو تورط فعلى بالضلوع مباشرة فى الجريمة؟ ومن يضمن أن هذه حالة فردية غير متكررة فى إدارات تعليمية أخرى؟ أو فى إدارات أخرى فى مجالات أخرى بطول البلاد وعرضها؟
هذا مجرد جزء من تركة الفساد الموروثة المطلوب القضاء عليها.