المساء
مؤمن الهباء
بيزنس الثانوية وتوابعها
لاتصدق الشعارات والتصريحات الوردية حتي لاتصدم من الواقع وتصاب بأزمات نفسية . صدق فقط صاحب التجربة الذي اكتوي بها واحترقت يداه . ستسمع كلاما كثيرا عن الجهود التي تبذل لتخفيف أعباء الثانوية العامة عن الطلاب وأولياء الأمور لتكون سنة دراسية عادية وليست وحشا مرعبا . والكلام جميل لكن الواقع مختلف تماما . فالحقيقة المرة أن الثانوية العامة سوف تظل علي شكلها الحالي لأنها صارت مجالا مفتوحا للبيزنيس بلا حدود . والمستفيدون بهذا البيزنيس كثيرون ولن يفرطوا فيه بسهولة . وهم أصحاب نفوذ وكلمة مسموعة.
تجربة الثانوية العامة مريرة بالبوكليت كما كانت قبل البوكليت . وأكبر دليل علي ذلك انخفاض المجاميع بشكل ملحوظ . وهو أمر أسعد الحكومة ووفر عليها تكاليف إيجاد أماكن الناجحين الجدد . واكتفت بقبول أعداد مساوية لأعداد العام الماضي رغم معدلات الزيادة السنوية الطبيعية في أعداد الطلاب . وكان من نتيجة ذلك أن اتجهت الأنظار إلي الجامعات والمعاهد الخاصة أكثر من كل عام . وبعد أن كانت محنة أولياء الأمور في عبور أبنائهم عقبة الثانوية الكؤود صارت المحنة محنتين وأكثر في البحث عن أماكن لأبنائهم في التعليم العالي.
لم تعد الدروس الخصوصية ترفا زائدا . وإنما صارت من مسلمات المنظومة التعليمية المهترئة في بلادنا . كل طلاب الثانوية حصلوا علي دروس في كل المواد ولم يذهبوا إلي المدارس ولم يعتمدوا علي كتب الوزارة . وقد اعترف الأوائل بذلك دون أدني حرج . والاستثناء هنا ضئيل جدا ولايقاس عليه . وحالة العبقرية مريم فتح الباب التي تفوقت علي أقرانها وحصلت علي المركز الأول رغم ظروفها الصعبة جديرة بكل احترام وتقدير لكنها ليست حالة طبيعية . وسبحان العاطي الوهاب . الحالات الطبيعية لملايين الطلبة هي إنفاق آلاف الجنيهات علي الدروس الخصوصية التي لم تعد مقصورة علي المدرس وإنما اتسع مجالها ليشمل إيجار السنتر لكل حصة علي حدة والمذكرات والامتحانات المتواترة . ولذلك قيل أن الأسرة المصرية تنفق علي الدروس الخصوصية لابنها أو ابنتها أضعاف ما تنفق علي ميزانية المأكل والمشرب والملبس.
ثم بعد إعلان النتيجة يبدأ علي الفور بيزنيس التظلمات . إذا أردت أن تنظر ورقة الإجابة ادفع . ويدفع أولياء الأمور مرة أخري ليراجعوا درجات أبنائهم في لعبة مكشوفة ومعروف مقدما أنها لن تغير من الأمر شيئا . لكنها تداعب آمال الطلاب في البحث عن درجة هنا أو هناك . وقد نقلت "المساء" أمس عن بعض الطلاب المتظلمين قولهم "نعيش أسوأ أيامنا".
ولاتنتهي المعاناة بانتهاء الامتحان وظهور النتيجة والتظلمات . وإنما تبدأ علي الفور معاناة أخري للبحث عن مكان للطالب في الجامعات والمعاهد . ولأنه لاشيء مضمون الآن فالكل يجري علي الجامعات الخاصة وهذا مجال آخر للبيزنيس وتحصيل الأموال من أولياء الأمور . إذا أردت أن تسحب طلبا للالتحاق فعليك أن تدفع ما بين 500 و1000 جنيه . أما إذا أردت أن يقبل الطلب فعليك أن تدفع جزءا من المصاريف ما بين 20 و30 ألف جنيه . تفعل ذلك في أكثر من كلية ومعهد حتي تضمن لابنك مكانا يدرس فيه العلم الذي أحبه ويريد أن يتخصص فيه.
في أوروبا والدول المتقدمة يتخصص الطالب في الدراسة التي يتطلع إليها وفق رغبته وإرادته وميوله ومستوي قدرات تحصيله العقلي . أما عندنا فالتخصص بعيدا عن مكتب التنسيق يعتمد علي أن تدفع أكثر وأكثر . حتي تحولت العملية التعليمية إلي وسيلة أو وسائل لتحصيل الأموال أولا بأول . ودون أدني رحمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف